العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ

عن النضال السياسي والجهاد الأخلاقي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من دون وجود عقيدة مبدئية ورباط أخلاقي إنساني سام يعتصم ويستمسك به يكون بالتالي النضال السياسي لا يعدو عن كونه ابتذالا ارتزاقيا انتهازيا، ولا يعدو على أن يكون سلسلة من المغامرات الفردية الطائشة وإن ازدحمت في صلب ذلك «النضال» أو المغامرات «المشخصنة» أمما وأوطانا!

فتجرد «النضالات السياسية» من ذخائرها المبدئية وحمولاتها الأخلاقية الذي يصيغ تلاقحهما معا الرسالة العامة لهذا النضال، يعني فطريا ابتعادا عن أية مشروعية عامة، ومناهزة واقترابا من سطحية والتواء عوالم المصالح والمراوغات الخاصة!

وبالتالي فإن مجرد الرجوع إلى تلك القواعد الأولية المتعارف عليها، والتي تؤكد المقدار العظيم من القيمة التي تضفيها الشحنة المبدئية والأخلاقية على مختلف أشكال الحراك السياسي المناضل باسم المطالب الوطنية والشعبية، يرتجى أن يكون كافيا للحيلولة دون وقوع القراء الأعزاء في فخاخ زعم المبدئية والأخلاقية العالية لشكل من الأشكال النضالية السياسية العصامية لمجرد غلاظة الخطاب المعلن، وزيادة التركز والتكاثف للشعارات المطلبية ذات اللون الفاقع الناطق بحساسية ومرارة المواطنين، بل ما ينبغي أن يتدارك هو أن غزارة الإنتاج سواء من بيانات وخطابات تنادي بأسمى القيم والأخلاقيات، ويكتبها معارضون أو مناضلون سياسيون، هي ليست بالضرورة حمالة دلالات تؤكد العمق المبدئي والتسامي الأخلاقي الذي يمتاز به أمثال هؤلاء من المصدرين!

اذ ان تلك الشحنة المبدئية والوهج الأخلاقي طالما لم يتم ربطهما بماسك من بطن الخطاب والنص، إلى عنق الممارسة العملية والسلوكية السائرة بدأب مستمر على ظهر الحياة، فإنها بالتالي لا تعدو على أن تكون جزءا من دعاية وغواية سياسية ، مما يعني بالتالي أنها قد انحدرت إلى مستوى الأداة والوسيلة بدلا من موقع القلب المركزي!

وإن كان يظن بعض مدعيي النضال السياسي والمنادين والمتباهين بممارسات تطهرية في سمتها الاحتجاجي ضد نظام أو سلطة مهيمنة، بأن مواقعهم تلك تتيح لهم شن أعنف الهجوم والتصيد بسلاسة لخطى وخطايا السلطة المهيمنة نظرا لكونهم مبرئين تسليما من حرية التصرف بمقدرات الدولة، والتحكم المتفرد بقراراتها، وصناعة مصائرها، والتمهيد لأقدارها، فهم في خانة المستضعفين والمحتجين، فإن سلمنا بتلك البديهية التي لا يختلف حولها عاقل، فإن ذلك الاستضعاف الاحتجاجي لا يضيف صفة معصومية واصطفائية أكثر من كونه يضاعف من أمانة ومسئولية أطراف النضال السياسي التي يفترض أن تكون، طالما لم تتكافأ وتتعادل في معادلة السلطة والهيمنة، في مقام القدوة والأسوة المثالية التي ينظر لها المواطن بمنظار الفخر والاعتزاز، ويستبصر من خلالها أرقى آماله وأسمى تطلعاته القابلة للترجمة والتنفيذ والإحياء برؤية نضالية سياسية ممكنة وأفق احتجاجي واقعي محتمل، وإلا فإن العبء يكون أثقل بكثير من ماضيه حينما تضاف على كواهل مسئولياتها المزايا والخدمات والشبكات المصلحية العامة والخاصة التي تتقن صناعتها السلطة المهيمنة أو يبدعها الحكم ويشتري بها رضا وقبول الشعب.

وللمزيد من التدليل الحي حول ذلك خذ على سبيل المثال حال بعض أقطاب «المعارضة» و «النضال السياسي» التي لا تتورع عن محاكاة وتقليد خصومها وأندادها السلطوية حينما تجهد بحثا عن أياد صهيونية وأميركية باردة لتصافحها وقتما تشاء باسم البحث عن حرية وحقوق ومصالح الوطن والمواطن، حتى إذا ما تمت مهاجمتها والتصدي لخطواتها السوداء المارقة على نعوش النضالات السياسية الوطنية الرائدة، فإنها سرعان ما تتعلل بأن السلطة والحكم يفعلوا جميعا ذلك، فلماذا يقع اللوم على «المناضلين» والمستضعفين وحدهم؟!

وأمثال هؤلاء ممن لم يراعوا خطابهم المبدئي، ولم يراعوا في طرحهم ومسعاهم ذاك احترام الأوعية القيمية الثقافية والاجتماعية التي خرجوا من رحمها حاملين مطالبها، وذائدين عن حقوقها المنتهكة، فإنهم بالتالي يضعوا أنفسهم وخصومهم السلطويين والدبلوماسيين الحكوميين في زاوية واحدة، في حين تتفوق السلطة عليهم بمثقال ما توفره لشعب حائر ومضطهد من خدمات، وما تحميه وتحتضنه من مصالح، تخضعها لآلية قمعها وصهرها أو ضبطها وتسييرها، ويخرج بالتالي أصحاب الخطاب «الحنجوري» الذي لم يراعوا ما يمثله خطابهم من مبادئ وأخلاق وقيم استهلكت جميعها وبددت في مسلكيات العمل السياسي من أطراف معادلة كسب ود الشارع مدحورا ولا تسعفه حينها إلا حنجرته، التي يعقد بها العزم على استباحة المقدس «الدين» وتوكيله لصالح المدنس «السياسة» في أزهى أشكال الإفلاس والقروسطية، كما قد تجتهد في ذلك سلطة حاكمة في استيلاد نموذج فقهي هجين يحمي مصالحها ويكرس شرعيتها النورانية رغم كونه أشبه ما يكون بالوثنية المستحدثة!

وإن لم يكون أمثال هؤلاء هم وحدهم المستفردون في الساحة، فهناك ضرب وصنف أسوأ في ازدواجيته الانتهازية لا البنيوية، حينما يرتدي هذا الصنف الأكثر تقليدية من حبل «الخيش» عباءة الدين والتقى والورع والتبحر والتسيد على طائفة من الناس والأقوام، ولا يفزع حينما يجد نفسه غارقا في ابتلاع «عيش» الحكومة وكرع «لبن» المعارضة، فهو وإن كان يتباهى على الملأ بتبعيته وانحيازه التام وانضوائه تحت لواء الحكم والسلطة، ويتولى تنفيذ عمليات التمويل السياسي، وعمليات «جيمس بوند» خاصتها رغم إعاقة العباءة واللباس الديني في ذلك، ليشرف على تنفيذ إنزال جوي انتخابي من أقصى المدينة والحاضرة التي كانت بالأمس وطنية، إلى كبد الصحراء المعسكرة بوقود الفتوى!

إلا أن هذا المضارب الحكومي لا يجد مضاضة عن الاستمرار في القبض بيد من لبان أو عجين على مال مدسوس له من دولة أوروبية بحجة كونه لا يزل لاجئا سياسيا وطريدا مشردا في تلك البلد، وهو الذي ينهب وينهب ويهب بذات اليمين وذات الشمال تحت ستر « سروال برمودة» من التقوى والطهر الديني، وقبعة تاجر أو مهرج أبعد ما تكون عن التقوى والزهد والاستهداء بأنوار الآخرة!

ولك أن تثري بالأمثلة المعبرة فتقتبس مثل من ادعى أنه هو، أي الشريف والنظيف والعفيف الأوحد الذي لم يفقد بتولته المبدئية بعد زيجات سياسية سابقة فاشلة نظرا لكونه ابن معجزة وردية بذرت في قلب صخرة، فوهب نفسه وكرس جل حياته للدفاع عن كل مستضعف ومستهدف لسانا وبيانا وشتيمة، وتصدى لعتاة الطغاة والبغاة شرعا وسياسة وتعاسة، واستصرخ ما تبقى من أجاويد ونشامى في سبيل الإدعاء بإغاثة خصوصياته المستلبة بافتراس وفراسة أجهزة شيطانية!

إلا أنه ورغم كل ذاك الصراخ والصدح والشتم ظل حتى هذه اللحظة لا يحترم خصوصيات الناس بما فيهم من يدعي أنهم ضمن أعز أصدقائه، وظل منهمرا ومنهمكا في ممارسة ظلمه على نفسه وعلى من زل وتنكب حينما تعاطف معه، وذلك تارة بأساليب التخوين الفجة، أو اللجوء إلى اتباع أقذر الأساليب وأحطها في نشر الإشاعات وبث الفرقة المجتمعية، وتلطيخ سمعة الآخر الذي قد يكون مختلفا لترقيع غشاوة الفشل والإفلاس الذاتي!

ولعل ما أوصل هذا الصنف الأخير «المتلبرل» إلى حالته الهستيرية والهذيانية المستعصية، ربما هو بلوغ حد الثمالة جراء الاغتراف من وحل «الشخصنة» و»الفردنة» لقوانين الممارسة والمسيرة السياسية والآليات الخطابية، ورهن مشروعية ممنوحة في غياهب مشروع ذاتي للبروز والظهور، ليبلغ هذا البعض درجة قد يرى فيها حليف اليوم بمثابة الزوج الحلال المحتمل، في حين يظل الخصم الحاضر بمثابة الطليق المرمي في سلة المهملات بجوار ذكريات المبادئ والأخلاق!

وربما كانت الحاجة من مقدمة نظرية مشفوعة بأمثلة حية ومطولة لنماذج الاختلالات المدعاة بين العمل النضالي السياسي والحصيلة الأخلاقية والمبدئية، هي تبيان أننا لا نرجو أن يظن القارئ بأننا نصطنع العراقيل ونبتدع الشروط المعجزة والتي ترى في ضرورة التوفيق المطلق بين قيم المبدأ والخلق وقوالب العمل السياسي ضمن صيغة أسطورية غير ممكنة لاختلاف مزمن في الأنسجة العضوية!

فما هو مطلوب لمن ادعى وانتسب إلى نضال سياسي وطني، هو أن يدرك بأنه من الضروري ألا يبذل جل ما بحوزته من صكوك وأوراق مبادئ وأخلاقيات رسالية ثمنا للتكتيك والانتحاء السياسي عله يحتفظ أو يكتنز ويحتفل بما يتبقى له بثمن ذلك من فتات مشروعية ممكنة، فالنضال السياسي يستوجب مجاهدة مبدئية وأخلاقية تشفع له طالما تكلم باسم ولسان الوطن والمواطن، ينبغي أن يكون للجميع ويتكلم بلسانهم إن كان صاحب مشروع سياسي وطني حقيقي يؤمل تحقيقه!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1686 - الأربعاء 18 أبريل 2007م الموافق 30 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً