زائر دبي... لابد أن يتكلّم عن الصحافة والإذاعة والإعلام، حتى لو كان في زيارةٍ عائليةٍ قصيرة، وخصوصا إذا كان من العاملين في ميدان الصحافة. وهذه المجالات ترتبط مباشرة بشيء يستهوينا كثيرا في البحرين اسمه «حرية التعبير».
الفكرة الشائعة أن دولتنا الحبيبة هي من الدول الأكثر حرية في المنطقة، والتي لا يبزنا فيها إلاّ الكويت، ولكن قليلا من التواضع يتطلب إعادة النظر في بعض مسلّماتنا التي ننام عليها، كما في الجوانب الاقتصادية التي ظللنا نتغنى بها طويلا حتى سبقنا الآخرون بمسافات.
اليوم في الإمارات العربية الشقيقة، قنواتٌ تلفزيونيةٌ كثيرة، فإلى جانب تلفزيون كل إمارة، هناك التلفزيون الاتحادي (الإمارات)، وقنوات فضائية أخرى، من أبرزها «ون تي في» التي تقدّم نفسها إلى المشاهد تحت شعار «السينما في بيتك»، وتعرض ثلاثة أفلام أجنبية يوميا على الأقل.
ومع أن كثرة القنوات التلفزيونية ليست دليلا على حرية التعبير بطبيعة الحال، إلاّ أن هناك تجربة لها دلالتها في مجال الإذاعة، فهناك عدة قنوات إذاعية تذيع برامج «بث مباشر»، وتفتح المجال للمواطن والمقيم للشكوى والتعبير عن مشكلاته، فتسمع قصصا تكشف لك عن وجود حالات فقر وتدني أوضاع معيشية لا تتخيّل وجودها وسط كل تلك المجمعات التجارية والغابات الأسمنتية الضخمة.
المواطن يحصل في هذه البرامج على فرصته للبوح، وبدا مرافقي الإماراتي متحمسا (وهو متخرجٌ حديثا من جامعة أجنبية)، إذ سألني عن وجود مثل برامج ذات بث مباشر لدينا في البحرين، فأجبته بصراحة: نعم، قبل سنوات... في البداية كان البث مباشرا، ولكن بعد فترةٍ قصيرةٍ تم التحوّل إلى تسجيل المكالمات وإذاعتها بعد مراجعة المسئولين، فالحرية لابد لها من «فلتر» لأن قلوبنا في البحرين رقيقة جدا... فلا نتحمّل سماع صراخ المتألمين أو شكاوى المواطنين!
برامج البث المباشر، من دون تقطيعٍ أو تشذيبٍ أو «غربلة»، تتيح الفرصة للمواطن اليوم للتنفيس، وهي قضيةٌ يدركها ساسة العصر، في فترةٍ لم يعد الحَجْر على الآراء ومصادرتها أمرا محبّبا ولا واقعيا ولا ممكنا أصلا. فترك الباب للتنفيس، آليةٌ سليمةٌ وسلميةٌ لضمان الأمن الاجتماعي وإزالة الاحتقانات، وليس الحل من طريق استخدام الهراوات والرصاص المطّاطي، ومحاصرة قرى آمنة بكاملها وإمطارها بالغازات المسيلة للدموع، في أحد أشكال العقاب الجماعي المثيرة للغضب والاستفزاز والاشمئزاز.
بطبيعة الحال، ليست كل برامج البث المباشر شكاوى وتذمرات، فتجد أحيانا شابة تتصل بالمذيع «أبوراشد» تطلب منه أن يرافقها في الظهور على شاشة التلفزيون؛ لأنها تستحي من الكاميرا وتشعر بالخجل! كما أن امرأة عجوزا شكت ضعف الحال وعقوق الأبناء، وقيام أحدهم بضربها، وفي اليوم التالي كانت الصحافة تتابع الموضوع، والشرطة تبحث عن الابن العاق لتأديبه وإنصاف العجوز الفقيرة.
على مستوى الصحافة، هناك ازدهار كمي ونوعي، وهناك صحف جديدة، آخرها «الإمارات اليوم» التي توزّع للمشتركين في صحيفة «البيان» مجانا، على حين تشتريها من منافذ البيع بدرهمين. وأكثر الصحف تتجاوز صفحاتها المئة، وتحتاج إلى ثلاث ساعات لـ «فلفلتها» إذا كنت مهتما بمعرفة طروحاتها وتوجّهاتها العامة، ومدى قربها إلى الناس أو الحكومة. وبعضها يصل أحيانا إلى 140 صفحة؛ بسبب كثرة الملاحق اليومية، من ملحق فني ورياضي واقتصادي وأدبي... وأخيرا «عقاري»، تعبيرا عن الرواج الكبير لشركات الإعمار وارتفاع أسعار الأراضي، وما تتمتع به الإمارات من سوق إعلانية نشيطة، تراها في هذه الصفحات المزدحمة بالإعلانات التجارية المختلفة.
السابقون قالوا في أشعارهم: سافر ففي الأسفار خمس فوائد، وفي هذا العصر، هناك فوائد أخرى، كأن تتعلّم الفرق بين إعلامنا وإعلامهم، وصحفنا وصحفهم، وإذاعتنا وإذاعتهم، وتكتشف أن أمام بلدك طريقا طويلا تحتاج إلى قطعه حتى تلحق بالآخرين!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1685 - الثلثاء 17 أبريل 2007م الموافق 29 ربيع الاول 1428هـ