التأثر الذي أبداه الناس ومختلف طبقات وفئات الشعب في قضية عباس الشاخوري لا يعود إلى جريمة القتل في ذاتها، فطالما سمعنا عن مثل هذه الجريمة وأمثالها. ولو حدثت جريمة القتل هذه في بعض البلدان، فإن الناس لن يتخذوا موقفا متميزا كما حدث لدينا هنا. فما الذي رسم خطوط الوجل التي امتزجت بالغضب على وجوه البحرينيين؟
لو قُتل عباس بأية وسيلة أخرى في متناول يد الجميع، لما واجه الناس هذه الجريمة بمثل هذا الموقف، فإذا كانت السكاكين متوافرة في كل بيت، فإن المسدسات لا يحملها سوى أفراد وفئات محدودة جدا، ومن يجيد التصويب والمتدرب عليه أيضا فئة محدودة، إذ إن عامة الشعب لم تمسك مسدسا في حياتها لغياب التجنيد الإجباري المعمول به في الكثير من الدول الأخرى التي تطبقه لتهيئة شعوبها لساعة الملمات ودرء الأخطار عن الدولة. حتى الرماية التي غدت لعبة رياضية عالمية فهي - بحسب علمي - خاصة بجهات وفئات معينة وليست متاحة لكل أفراد الشعب.
توجد جذور حقيقية لهذه المشاعر الغاضبة والملحة ولم تأتِ عبطا بلا مسوّغ، فوجود البعض ممن يعد نفسه فوق القانون هو أمر مفترض تدعمه عمليات من قبيل مصادرة الأراضي العامة وتملّكها بوضع اليد، من قِبل أفراد متنفذين ما هي إلا أمثلةٌ ونماذجُ لا ينفي وجودها أحد. وبالتالي فلا يستغرب مستغرب سلوك الناس تجاه جريمة القتل التي راح ضحيتها الشاخوري، والوجل الذي غزا القلوب مصدره الاعتقاد بعجز الجهات المسئولة عن حماية أملاك الآخرين، التي وصلت أخيرا إلى التهديد في أرواحهم. الخوف أن يضيع دم الشاخوري كما ضاعت السواحل ولم يبقَ للناس منها سوى 3 في المئة، وضاعت كذلك أراضي الملك العام فأصبحت 90 في المئة من الأراضي ملكا خاصا.
الثقة لدى الناس بالجهات الرسمية في مثل هذه القضايا ليست كما ينبغي، إن لم نقل إنه ينتابها الضعف الواضح الذي لا يمكن مواربته؛ لأن الأجهزة الأمنية عوّدت الناس على إعلان القبض على الجناة في غضون فترة قصيرة جدا، ولكم أن ترجعوا إلى أرشيف الصحف المحلية، فمنذ التسعينات وإلى حد الآن نرى أن الأجهزة الأمنية مستمرة على هذا المنوال الذي لم يتغير، على حين - وإلى حد كتابة هذه السطور - لم تصدر «الداخلية» ما يفيد - حتى - القبض على مشبوه فيهم يرتادون مكان وقع الجريمة من أجل التحقيق معهم. حتى بعد أن أسلم عباس روحه إلى باريها، وبعد استخراج رصاصة الغدر من رأسه، لم يصدر عن الجهات المعنية تقريرٌ ما حتى يشعر المواطنون بوجود تحرك جاد يرجع إليهم سكينتهم، كتحديد نوع السلاح من خلال الرصاصة التي تم استخراجها، ومن ثم التعرف إلى المسافة والمكان اللذين أطلق منهما المجرم رصاصة الغدر فجعلاها تستقر في رأس الشاخوري.
لا نود أن نزيد طين التراجع بلة، ولكن المواطن يشعر بأنه محاصر من مختلف الجهات وتهاجمه الرزايا من كل الزوايا، كمستوى المعيشة الذي تدهور بشكل مخيف بسبب الغلاء المفاجئ، والقلق من الإثارات والقلاقل التي يثيرها البعض لإرباك السلم الأهلي كدعاوى «أسلحة المآتم»، فلا تجد لها صدى من قِبل الجهات المسئولة، إلى جانب الاستياء العام لاستفحال الجريمة يوما بعد يوم، سواءٌ من الناحية الكيفية أو الكمية، التي قد وصلت إلى حد الخطف العلني للأطفال والمراهقين لإشباع النهم الجنسي، وجاء هذا الحادث ليزيد من حدة المرارة التي يغص بها الناس ويقف في حلوقهم من خلال وسيلة الجريمة وأسلوبها اللذين خلعا أفئدة المواطنين العزل والبعيدين عن هذا السلاح. لهذا كله، إن تشكيل لجنة متابعة برلمانية من مختلف الكتل باعتبار النواب ممثلين للشعب؛ لمتابعة مجريات التحقيق، قد يعيد شيئا من الطمأنينة ويعزز الثقة بجدية الجهات الرسمية المسئولة.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1685 - الثلثاء 17 أبريل 2007م الموافق 29 ربيع الاول 1428هـ