دبي هي واسطة العقد الإماراتي بلا منازع، وهي ربما الإمارة الوحيدة التي لا تعتمد على النفط، واستطاعت أن تجتذب الاستثمارات وتنوّع من مصادر الدخل عمليا وليس بالنظريات والتصريحات الصحافية كما في بلدان أخرى.
نهضة دبي لها قصةٌ بدأت منذ أربعين عاما، بلعب دور الميناء البحري الذي يستقبل ويعيد تصدير البضائع إلى دول الجوار. إمكانات وتسهيلات جرى توفيرها، وواتتها الأوضاع السياسية المتوتّرة في الإقليم، حافظت خلالها على علاقاتٍ متوازنةٍ مع الجيران، ولتحافظ على دورها كقوة جاذبة للاستثمار.
أحد مظاهر هذه القوة الجاذبة للاستثمارات، هي المدينة الإعلامية، فقبل سنواتٍ قليلة، تقدّمت إحدى القنوات بطلب ترخيص للبث، مع طلب تخصيص قطعة أرض، ولأن هناك عقلا استراتيجيا يفكّر في المستقبل البعيد كان الردّ: لماذا قطعة أرض؟ لماذا لا نخصّص منطقة جديدة لهذا النوع من النشاط الذي سيقتحم أقطارنا ويتغلغل في تفاصيل حياتنا؟ وهكذا تمّ تخصيص منطقة خارج منطقة السوق وبعيدا عن زحامها وضوضائها. ولا أخفيكم أني كنت حريصا جدا على زيارة هذه المنطقة، مبانٍ كاملة تحمل أسماء وشعارات «العربية» و«ام بي سي»، و«رويترز» و«ان بي سي» و«الشرق الأوسط» وعشرات الأسماء الأخرى... كلها في «المدينة الإعلامية» التي كانت صحراء قبل سنوات معدودة.
إحدى هذه القنوات بالمناسبة قدّمت طلبا للعمل في دولةٍ خليجيةٍ أخرى قبل أعوام، ففُرض عليها (كذا وكذا)، فهربت إلى دبي، وهناك تلقّت كل التسهيلات مع دعم مالي سخي، فالدولة لا ينحصر دورها في «الجباية». وإذا ابتعدتَ قليلا عن فكرة «الكوميشن»، فإن استقطاب هذه الشركات يعني توظيف عددٍ من مواطنيك الذين سيكتسبون خبرات عالية، وهناك مبانٍ وعقارات يتم استئجارها أو استملاكها، وحتى الموظفين الأجانب ستكون لهم احتياجاتهم اليومية من السوق المحلي، من مواصلات وسكن وأجهزة وطعام...إلخ، فهناك دورة اقتصادية كاملة تنعش السوق.
إذا، هناك نظرةٌ استراتيجيةٌ بعيدةٌ تقف وراء قصة النجاح هذه، وما تراه من شركات استثمار كبرى وحديثٍ دائمٍ عن الأسهم والبورصة، ومشاريع إعمارٍ ضخمة، وعندما تسأل: من الذي سيسكن كل هذه المباني الشاهقة؟ يأتيك الجواب بسرعة: إن الكثير منها محجوز حتى قبل أن يكتمل البناء!
في المنطقة نفسها، هناك «نادي دبي للصحافة»، الذي حرصت على زيارته للإطلاع على هذه التجربة الفتية، إذ اكتسب شهرة على المستوى العربي مع الإعلان عن جائزة دبي للصحافة، في مختلف فنون العمل الصحافي، من المقال والتحقيق إلى الصورة والكاريكاتير، وتقيّم الأعمال على يد لجنة تحكيم من عدة دول عربية.
المبنى الخارجي مكوّنٌ من عدّة طوابق، يحمل الشعار الفضي للنادي، ولكنه يحتل الطابق الثاني فقط، ولم تستغرق زيارته غير بضع دقائق، كانت كفيلة للتعرّف على هذا الصرح الكبير، الذي يتكوّن فقط من مكتب استقبال؛ وقاعةٍ صغيرةٍ للمحاضرات استضافت قبل فترة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون؛ ومكتبةٍ تستقبل الضيوف من الصحافيين وطلاّب قسم الإعلام والصحافة بالجامعة. وتخرج بانطباعٍ ان الاسم الكبير يصنعه التخطيط والإنجاز، وليس ضخامة البناء وعلوه في السماء.
على منوال المدينة الإعلامية، هناك «مدينة الانترنت»، و«المدينة الطبية»، وهناك ميناء جبل علي المعروف، الذي بدأ العمل في تنفيذ مطار جديد سيستقبل المزيد بعد أن ضاق مطار دبي بحركة المسافرين، على رغم كل ما يشهده من تمدّد وتوسع. قصةُ نجاحٍ ترويها وأنت تحلم ببلدك الذي تتمنّى أن يكون دائما في المقدمة.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1684 - الإثنين 16 أبريل 2007م الموافق 28 ربيع الاول 1428هـ