العدد 1684 - الإثنين 16 أبريل 2007م الموافق 28 ربيع الاول 1428هـ

المشروع الأميركي... والاعتراضات العربية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

إعلان الخرطوم التوافق على خطة المبادرة السعودية بشأن إقليم دارفور يؤكد من جديد على قدرة القوى الإقليمية على لعب دور خاص على هامش القرارات الدولية وضغوط الدول الكبرى. فالمبادرة جاءت في سياق اللقاءات الثنائية التي حصلت خلال قمة الرياض وتشكلت عناوينها من الدمج بين الدورين العربي والإفريقي والدور الدولي. ومشروع الحل الذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين يوفق بين تدويل النزاع في الإقليم وبين تعريب الأزمة والمحافظة على الموقع الإفريقي منها من دون مساس بسيادة السودان وحرص حكومته على وحدة الدولة.

المبادرة إذا لابد أن تصيب النجاح لأنها خففت من جانب جرعة التدويل ورفعت من جانب آخر جرعة الدور العربي المتوافق مع خطة الضبط الأمني التي قررتها دول الاتحاد الإفريقي. وفي حال أصابت المبادرة السعودية النجاح يكون السودان خرج جزئيا من عنق الزجاجة التي حاولت الولايات المتحدة حشره فيها لحسابات استراتيجية تتصل بالاكتشافات النفطية في منطقة الحدود مع تشاد.

نجاح الخطة ميدانيا ينتظر رد فعل إدارة الولايات المتحدة على المبادرة التي تجمع الأمم المتحدة مع الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية. فهل توافق واشنطن على مشروع الحل السعودي أم أنها ستتخذ الموقف السلبي الذي سبق وأعلنته ضد «تفاهم مكة» الفلسطيني - الفلسطيني؟

الموقف الأميركي من موضوع أزمة دارفور ليس تفصيليا في اعتبار أن واشنطن كانت تراهن على انهيار الخرطوم أو على الأقل تفكك حكومتها وتشرذمها إلى وحدات سياسية تبرر التدخل الدولي تحت شعارات إنسانية وبذريعة حماية الأقليات من عمليات إبادة جماعية مفتعلة لا يعرف حتى الآن من يقف وراء إشعالها في أكثر من مكان سوداني.

إدارة الرئيس جورج بوش تمر منذ فترة بظروف صعبة داخليا ودوليا وشرق أوسطيا. فهي أخذت تتراجع عن سياستها الهجومية (التقويضية) بعد أن واجهت الفشل في أكثر من مكان. وهي أيضا أصبحت في موقع حرج بعد ظهور نقاط اعتراض عربية وإقليمية لا تتوافق مع توجهاتها الكبرى في المنطقة. وهي كذلك، وهذا هو الأهم، مندهشة من تلك الممانعة العربية على رغم الضعف العام الذي يعاني منه النظام العربي ومنظوماته الإقليمية.

في كل الملفات المتأزمة هناك اعتراضات عربية على السياسة الأميركية. في الملف السوداني تشكلت خطة عربية مضادة لخطة التقويض ومتوافقة بحدود نسبية ومعقولة مع القرارات الدولية والإفريقية. وفي الملف الفلسطيني تشكلت رؤية عربية مضادة لخطة تفجير نزاع بين حماس وفتح يجرجر القضية المركزية إلى اقتتال أهلي داخلي يسقط تلك الهالة المقدسة عن مسألة تعتبر فوق كل الخلافات السياسية. وفي الملف اللبناني تشكلت رؤية عربية مضادة لسياسة التقويض المبرمجة التي اعتمدتها «إسرائيل» في عدوانها المدمر الذي نفذته نيابة عن الولايات المتحدة في الصيف الماضي. فالقرار الأميركي - الإسرائيلي استهدف تحطيم المشروع العربي الذي توافقت عليه الأطراف اللبنانية في الطائف من خلال تمزيق الكيان وشرذمة قواه الأهلية إلى دول طوائف تتقاتل بعيدا عن حدود الجنوب الدولية.

الدعم العربي للبنان الذي جاء إبان العدوان وبعده أحبط خطة التقويض أو على الأقل رسم تلك الحدود السياسية التي منعت أو أوقفت مؤقتا الهجوم الأميركي - الإسرائيلي الذي استهدف تغيير هوية بلاد الأرز وزعزعة أركان دولة هي أساسا ضعيفة ومشلولة وغير قادرة وحدها على تحمل مسئوليات قومية ناجمة عن ضعف النظام العربي ومنظوماته الإقليمية.

الملف العراقي

يمكن رصد الكثير من الاعتراضات العربية على مشروع التقويض الذي قادته الإدارة الأميركية ضد المنطقة منذ ست سنوات. فهناك خلافات في وجهات النظر بشأن معالجة أزمة دارفور. وهناك خلافات بشأن معالجة حقوق الشعب الفلسطيني وعدم التفريط بأرضه وسيادته على القدس المحتلة وحقه بالعودة وتأسيس دولة قابلة للحياة. وهناك خلافات بشأن لبنان ومنع العودة إلى سياسة الصفقات وتقاسم النفوذ بين القوى الإقليمية على أرضه وجرجرة شعبه إلى انقسامات أهلية تستفيد منها تل أبيب. وهناك أيضا خلافات بشأن معالجة ملف التخصيب النووي الإيراني بمعزل عن حل عام يشمل كل دول «الشرق الأوسط». حتى في موضوع الصومال هناك اعتراضات عربية على سياسة تصدير العنف والاقتتال الدائم في منطقة تعتبر استراتيجية للأمن الإفريقي - العربي المشترك.

كل هذه الاعتراضات العربية أو الاختلافات في وجهات النظر مع سياسة التقويض الأميركية يمكن رصدها في أكثر من مكان وصولا إلى الملف العراقي الذي يعتبر الآن النقطة الأهم في سياسة بوش الخارجية.

الموقف العربي الذي ظهر بوضوح في قمة الرياض يلقي الأضواء على اعتراضات قوية أخذت تتشكل في أكثر من زاوية ضد مشروع التقويض الذي قادته إدارة واشنطن في العراق. والكلام الذي ورد في كلمة خادم الحرمين بشأن رفض الاحتلال غير المشروع وجه رسالة عربية مشتركة تؤكد على هوية بلاد الرافدين وتمانع تعديل توازنه الأهلي ودفعه ميدانيا نحو التفكك أو التمزق الطائفي والمذهبي.

حتى الآن لاتزال واشنطن حائرة من تلك المواقف العربية التي صدرت في قمة الرياض، وهي تتعامل معها بحذر ومن دون انتباه. فالإدارة الأميركية عبرت مرارا عن دهشتها أو على الأقل طلبت أكثر من مرة توضيح بعض العبارات والملابسات. وهذا وحده يدل على وجود امتعاض من إدارة تعاطت مع قضايا المنطقة العربية بخفة وقلة احترام لمصالحها ومواقعها وأدوارها.

إدارة بوش تعيش الآن سلسلة أوضاع صعبة تحرجها في سياستها الداخلية المفتوحة على معركة انتخابية كبيرة ضد الحزب الديمقراطي، وأيضا تعطل عليها توجهاتها الخارجية في رسم السياسة الدولية وخصوصا بعد ظهور مواقع اعتراض أوروبية وروسية وصينية على الكثير من الملفات الإقليمية و «الشرق أوسطية».

هناك الكثير من المبادرات العربية المضادة أو على الأقل المعترضة على استراتيجية التقويض الأميركية. فهناك خلافات على الملفات الفلسطينية واللبنانية والعراقية و «النووية» والصومالية. كذلك يمكن القول إن المبادرة العربية الإفريقية الدولية التي رعتها السعودية بشأن معالجة أزمة إقليم دارفور تشكل نقطة اعتراض جديدة على سياسة أميركية انتهجت خطة لتقويض السودان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1684 - الإثنين 16 أبريل 2007م الموافق 28 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً