«لرجمناك وما أنت علينا بعزيز» (هود:91)، ذلك رد أهل مدين - إحدى قرى الشام- على نبي الله شعيب ، رد مجحف فيه من الاستخفاف الشيء الكبير،لم يكن شعيبا إلا نبيا مصلحا «إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَح» (هود:88) يبتغي العدالة «وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ» (هود:85)، جاء مفهوم العزيز كما ورد في لسان العرب لابن منظور من العِزة أي قوة والشدة الغلبة والرفعة والامتناع وهي خلاف الذل، كما جاءت من عز أي عَز علي و أحببته، ما نراه اليوم في البحرين مدعاة إلى التأمل والتفكر والتساؤل: هل لا يزال البحريني عزيزا؟ أم لسان حال وزارات الدولة كاللسان أهل مدين: ما أنت علينا بعزيز.

كرم الله الإنسان ورفعه عن الذل وعن كل ما يمس كرامته الإنسانية بسوء، بإعطائه الحرية في أن يختار لنفسه ما شاء من طرق الحياة المعيشية، وليس لأحد من بني نوعه أن يستعلي عليه فيستعبده ويمتلك إرادته ويرغمه على فعل ما لا يريده، أو يصنفه في دوائر أو طبقات مجحفة قائمة على الهوى، أو الإرث التاريخي الغير منصف.لذلك أحاط الله خلقه بمجموعة من القوانين والسنن، وأفطره على تأسيس المجتمع الأسري والمدني وألزمه أن يكون حرا على لا يزاحم حرية الآخرين، ومن البديهي ان هذا الاجتماع البشري أفضى إلى وجود حكومة يتولاها بعضهم تحفظ النظم و تجري القوانين كل ذلك بحسب ما تدعو إليه مصالح المجتمع بقضاء حوائج المواطن والعمل على سد نواقصه بحيث يؤدي ذلك إلى سعادته حتى يعتبر بذلك عزيزا.

نرى ان وزارة الداخلية من أكثر الوزارات معنية بالأمر، فعملية التجنيس على قدم وساق لا يثنيها إن البحريني لم يعد يطيق المزيد، بل ان المجال لم يعد يسمح إن ينافسه في أرضه وفي لقمة عيش من لا ناقة له في البلاد ولا جمل، دخيل في كل شيء وليت في وجوده من فائدة مرجوة أو أملا في إصلاح حال البلاد قبل العباد، كما انه لم يعد الأمن مربوط بسلامة المواطن كما هو الحال بسلامة النظام، فمازالت رصاصة الشاخوري طليقة تصيب من تشاء، ومازال الحديث عنها غامضا ومجهولا، ومازالت قوائم الممنوعين توزع على الحدود عبر منافذ ومطارات دول الخليج إمعانا في إذلال المواطن، وإطالة وقوفه في انتظار الفرج بالإذن بالدخول، وما أصعبه من موقف يتم على رؤؤس الأشهاد، حتى طال الأمر ليصل لعضو برلماني منتخب في أكثر الدوائر اكتظاظا بالسكان، ورئيس لأعلى كتلة برلمانية في المجلس، أيراد بها اهانة أم استفزاز؟، أم انه ليس عليهم بعزيز؟

الرجاء في القضاء، انه عنوان الفصل والعدالة، البعض يراه لا يعبأ بالبحريني الذي أردي قتيلا نتيجة عربدة وسكر من تعني مشقة السفر من اجل متعة محرمة شرعا، بلادهم تمنعهم عنها خوفا من سكرتهم التي تسفك الدم المحرم، وهنا لا يكفينا أن نسمح لهم بها، ترانا نسترخص دماء أبائنا وأمهاتنا وبناتنا وأبنائنا، هم بحرينيون طيبون في طريقهم سالكون، يفاجأون على حين غرة بمن يقتل فرحتهم، مسببين بذلك حرقة في نفوس أهاليهم لا تنطفئ أبدا، ما يحز في النفس ألما نظرات أيتامهم التي تنظر الحكم، لتفاجأ بعقوبات لاتسمن ولا تغني من جوع وكأن من أريقت دماؤهم ليسوا بعزيزين، لم يكف قضاؤنا - الذي نؤمن بعدالته - ذلك بل راح يصدر عقوبات للقاتل بصورة مختلفة، وكأن القتل أنواع، وما قاتل الرفاع عن قاتل المحرق ببعيد، ولكن ليس فيهم بعزيز.

لا تزال البطالة متفشية بيننا ومازال البحريني الشاب يصرخ بأنه يريد عملا، هناك 1200 خريج جامعي عاطل عن العمل، واعداد مضاعفة من خريجي المدارس والمعاهدين بدون مصدر رزق أو ضمان ضد التعطل لماذا هذا التسويف ؟ ولم لا تحل هذه المسألة بدون تدخل سياسي ؟ ولماذا نجعلها دوما ورقة مساومة ؟ ،ولماذا نجد من يشغل الوظائف ذات الدخل المرتفع في البنوك والشركات الحكومية وبعض المناصب الوزارية هم من أبناء التجار والعوائل ومن يدور في فلكهم ولم يقضوا في العمل سنينا؟، و أما الآخرون الأحوج والأكفأ بها، فعليهم ان يبحثوا عن عمل في مكان آخر يقضوا فيه عقودا حتى يصلوا وقد خارت قواهم وبان هزالهم، ليورثوا هذه المشقة لأبنائهم،حتى إذ صرخ الابن طامحا في التغيير، أجابه الأب بانكسار: يا بني لا تنظر إلى ما يتمتع به غيرك فما أنت فيهم بعزيز.

على صعيد الخدمات نرى تفاوتا واضحا بين مناطق يتم الاعتناء بها ومناطق أخرى وصفت بالمنكوبة، طالها الإهمال سنينا، لدرجة ان الفرق بات واضحا وكأن الناس يختلفون، ناهيك عن أن توفير للسكن بات من الصعوبة إيجاده بالنسبة للمواطن المتوسط الحال فكيف بفقير البحرين الذي لا يزال يراهن على معجزة تنتشله بعد أن عز المعيل، قصص يومية تتكرر، مطالب لا تجد لها طريقا للحل، حتى سئم الناس وملوا وبات يكفرون بالتجربة، ومع هذا الحال مازالت وزارة التنمية الاجتماعية تبحث لها عن عذر يعفيها عن مهمتها الأولى في تحديد خط الفقر في البحرين، وبناء برامج واقعية من اجل انتشال الآلاف الأسر من غياهب الفقر والحاجة، واللذان يوديان إلى التفكك الأسري والانجرار وراء الجريمة والانحراف الأخلاقي، في حين نرى أن تلك الوزارة تسابق الريح في تأميم الصناديق الخيرية من اجل ربطها بمنظومة أكثر مركزية واقل حرية في المال المنسوب إليها، والضائع هنا المواطن البحريني الفقير إذ انه ليس بعزيز.