المرور بشارع البديع ومناطق أخرى مشابهة لقرى المنطقة الشمالية يُذكِّر بماضٍ تخطته البحرين مع انقضاء العقد التسعيني، إذ كانت الانتفاضة الشعبية لها مبرراتها، التي كان من ضمنها بطش الأجهزة الأمنية والظلم والجور التي لا تُحتمل آنذاك... الوضع اختلف الآن، وهناك مجال للتعبير عن الرأي، كما أن هناك مجالا للعمل السياسي السلمي؛ ولذلك وقف كثير من أبناء الشعب ضد جر الساحة نحو العنف؛ لأن المستفيد من ذلك لن يكون شعب البحرين المثقل بالكثير من القضايا. فما نشاهده من تكثيف للوجود الأمني لا يبشر بالخير، ولا نريد له الاستمرار، فالخطأ لا يبرر القيام بخطأ آخر.
إننا لا نريد الماضي البحريني التعيس، كما لا نريد الشلل السياسي الذي ينعكس علينا بشكل سلبي. فحاليا، لدينا فئات تتحين الفرصة لاستثارة الشباب ضد قوات الأمن، وهناك آلاف الأسباب يمكن ذكرها مبررا للحرق والتحرش بـ «الأمن»، وهذا أدى إلى استضافة قوات الأمن بشكل «ثقيل» على الناس. إننا نقف ضد هذا النوع من التحريك للشارع، الذي لا يستهدف سوى تلبية متطلبات أجندة لا يوافق عليها أكثرية الناس، كما نرفض أن تقوم قوات الأمن بممارسة ما يشبه العقاب الجماعي، وهو أمر مُحرَّم إسلاميا وإنسانيا ودوليا ودستوريا.
لا نريد ماضي التسعينات أن يعود... ففي ذلك الماضي التعيس كانت تسود أجهزة الأمن على كل مجالات الحياة العامة، وتلتهم هذه الأجهزة أكثر من ثلث موازنة الحكومة التي من المفترض أن نستخدمها لتطوير بنيتنا التحتية التي لم تعد تحتمل حتى إيصال الكهرباء إلى المنازل والمشروعات التنموية الجديدة... نستطيع أن نبني المدارس ونموّل الجامعة الوطنية، ونبتعث شباب البحرين إلى أفضل الجامعات، ونبني المستشفيات، ونشيد المساكن، بشيء أقل بكثير من الأموال التي تُصرَف على أجهزة الأمن.
لا نريد ماضي البحرين الذي لم ينفع الحكومة في شيء، واستعادته لن ينفعها في أي شيء... كما أن الاستعادة لن تنفع حتى أصحاب الأجندات الراديكالية التي تستخدم لغة تحرّض من خلالها شبانا صغارا في مناطقنا السكنية... لا نريد لشبابنا أن يضربهم الرصاص المطاطي، أو يودعوا السجون... نريدهم في أحسن المدارس والجامعات والوظائف. .. ما يدرينا من يقف خلف هذا التحريض، فلعل هناك المندس وأصحاب المآرب... الأهالي في أبوصيبع تصدوا للملثمين، ولكن هؤلاء الأهالي انهالت عليهم مسيلات الدموع قبل ليلتين بمجرد أن اشتبهت قوات الأمن في سيارة كانت تنزّل مجموعة من سيارة نقل عند مدخل أبوصيبع، وهؤلاء إنما كانوا عمالا آسيويين يعملون في الإنشاءات، ولكن الإرباك أدى إلى انطلاق مسيلات الدموع على الناس... وأمس الأول تدخل أهالي السنابس لمنع حدوث أي شيء، ولكن قوات الأمن ليست مدربة على التعامل مع الناس، وهناك عائق اللغة، إذ لا يفهم طرف الآخر، وسرعان ما تتحرك الأصابع لتضغط على الزناد وتنطلق مسيلات الدموع وينهمر الرصاص المطاطي على الناس والأسواق الشعبية.
آن الأوان لأن تُعاد المياهُ إلى مجاريها، فعلى رغم التشويش هنا وهناك، فإن التوجه العام للجميع يحث على المشاركة الإيجابية بما هو متوافر من مساحة للعمل السياسي، وهذه منطقة التقاء وعلينا ألا نضيعها وان نمنع عودة الماضي البائس.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1684 - الإثنين 16 أبريل 2007م الموافق 28 ربيع الاول 1428هـ