العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ

عقلية الماضي ترزح في تضاعيف الألفية الثانية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الملاحظ لغالب، إن لم يكن مجمل، ما تنتجه وتصدره أبرز قوى وتيارات المعارضة السياسية البحرينية سواء في الوطن أو حتى الخارج، وذلك وفقا للسمة العامة في محتواها الخطابي العام، بما في ذلك صحف الجدار، أو ما يطلق عليه البعض تفكها «طوفة غازيت»، هو أن هذا المحتوى بصورته المعلنة، والمصرح بها للتلقي الشعبي العام لا تزال لابسة معاطف عقليتها التسعينية!

أو ربما هي بصور كلامية أخرى لم تغادر بعد زمن التسعينات على رغم أن بعض أقدام شخوصها ورموزها دقت أعتاب المؤسسات القائمة منذ مغادرة تلك الفترة السوداء من تاريخ البحرين المعاصر بكل ما لها وما عليها، على رغم بعض التغييرات في نمط وأشكال التفكير والمعالجة لفرضيات وممكنات واقع المحيط السياسي الراهن، فهي فترة قد حلت ورحلت بكل ما فيها من شخصيات ورموز ومواقع، وبكل ما صنعته من أفراد وأحداث ونتائج متعاقبة دفع فيها مختلف الأطراف أثمانا باهضة!

ومازال الفرد والزعيم والقائد والرمز ورجل الدين وقائد الأمة جميعا سواسية يقعون في مطبات التعامل مع الظروف الانتقالية الحالية، والتي تريد بعض قوى الموالاة والممالأة السياسية اعتمادها سقفا وسماء سابعة وسدرة منتهى لجميع المطالب الشعبية الوطنية، بمقياس ومكيال مرحلة التسعينات الماضية/ الحاضرة بأبرز لاعبيها وهيكلية القوى السياسية وبالتكتيكات ذاتها وأنماط القبول والرفض سياسيا لكل بادرة وتحرك.

أي أن المرحلة التسعينية من القرن الماضي بكل ما تحفل وتصطبغ به من ملحمية وكفاحية شعبية مشابة بمظاهر وألوان عنف متبادل، لا تزال بكل شروطها الموضوعية والمحيطية مرجعا وأرضية رئيسية لمنطلقات أبرز خطابات المعارضة ودعواهم السياسية، أكانت في شكل بيانات وخطابات ومقالات موزونة ومنمقة بأشكال استغلال الدين وإسقاط الحوادث التاريخية الكبرى، أو ملاحظات تقدم نقدا بناء من جهة، وحتى من الجهة الأخرى تسير مجاري الشتائم اليانعة والسباب المدانة والمستنكرة نحو الأخدود التسعيني ذاته، فتكاد تكون موجهة لذات اللاعبين والخصوم والأشخاص ذاتهم، بدلا من أن تتدبر بعفوية سياسية تلقائية تؤمن بفطر التحول والانتقال والاختلاف، أو حتى تدرك حقيقة إمكان تحول خصم أو عدو الأمس إلى صديق ووليف اليوم بشرط تفاوت الممكنات والعناصر والسبل المتاحة واقعيا، أو حتى اختلاف مواقع الصراع المهيمن على ناصية القوة السياسية الأولى!

قد يشير هذا الأمر إلى أن جزءا كبيرا من المعارضة لا يزال فاقدا للبوصلة، على رغم ما تحفل به برامجه من تسلسلات منطقية واتزانات شعاراتية على الأقل، وبالتالي هي تهدي للخصوم وراء الكواليس، ربما دون ان تدري، هدايا «توت» و«لوز» و«خنيزي» قد تحسبها مفخخات أو حجارة أو قناني حارقة تذهب سدى، وتعود عليها!

بل أن جزءا كبيرا من رموز وقيادات المعارضة البحرينية الإصلاحية أكانت من أبناء التيارات الإسلامية السياسية، أم اليسار لا تزال تتصرف سياسيا حسب قوالب ثابتة يرص فيها خزين الأحداث والعلاقات التاريخية بين قوى المعارضة والحكم، فالقوى الضدية وأطراف المواجهة تظل حسب تلك القوالب بصورتها «التسعينية» عينها، لا يغيرها اختلاف موقع ومقام وحدث سياسي قد يضعها في مصاف التحبيذ الحاضر عوضا عن التبغيض الماضوي، ولا أظن بأن وجود تلك القوالب التاريخية النمطية المهيأة للاستخدام في أية مناسبة هو أمر صحيح أو صحي أو حتى مقبول سياسيا كفعلٍ مرن وعاقل!

وأحسب أنني لا أزال حائرا أمام سبب استمرار تلك النشوة والسكرة التسعينية التي لاتزال دمنها المعارضة سياسيا في تعاملها مع الظروف الموضوعية والمتطلبات المرحلية وشخوص هذه المرحلة!

هل هو مثلا لكون الكثير من تداخلات واصطدامات وتلاعبات الفترة الحالية تقع في خانة اللامعبر عنه؟!

أم أن كل الأمر عبارة عن تردد، أو اختلاط وتشوش بالوعي السياسي المعارض فتصبح أمامنا أزمة أخرى؟!

ما يميز هذه المرحلة بانفراجتها المتحصلة، وبكل شخوصها ومنقلباتها وسياقاتها الإقليمية والدولية هو أنها مرحلة أشد انعطافا ومنحدرا، وأكثر خطورة دينامية من سابقتها، فهي مرحلة اشتد وكاد أن يتجذر فيها عود الخطر الطائفي بعد فترة مراهقته النزوية، وهي مرحلة تنفيذ متقدمة لاستراتيجيات المواجهة بمكائن وأجهزة واستراتيجيات وتقارير التشطير العمودي للمجتمع المسنودة، أو هي مرحلة يكاد أن يختلط فيها العسل «الدوعني» بالسم «الصرصخ»، وقد تكون في انعطافتها الحالية مرحلة مراوغة «الأذن الصمخة» الأخطر بكثير من وضوح «العين الحمرة» في مراحل سابقة.

لذا بالتالي قد تكون المعارضة، أو بعض المعارضة الواقعة والكائدة في فخ التشطير الطائفي مضطرة للتعامل مع حقائق تاريخية معاشة تكون فيها أيام الروح الأبوية والأوتوقراطية الوطنية أكثر ألفة ودعة و«وناسة» من وقائع دمقرطة محاصصات طائفية وقبلية!

نحن لا نرغم ونطالب هنا المعارضة على أن تنسى شهداء وجرحى وعذابات ورموز المرحلة الماضية، وتهيل عليهم جميعا التراب، وجروح لا تندمل بزخة بودرة إصلاحية، فتلك حوادث تاريخية مفصلية من عمر البحرين لا يمكن تجاهلها وقبرها، ويجب معالجتها بمصالحة وطنية شاملة.

ولكن الأجدى أن تجتهد المعارضة في أن لا تكون تلك المرحلة التسعينية التاريخية الماضية بمثابة إطار وعاء مرجعي ثابت، ولاهوت سياسي مقدس ومحفوظ للذكر في كل زمان ومكان، يتم التعامل باسمه ورسمه في شتى المراحل والمحيطات والبيئات السياسية الموضوعية المتباينة ظرفية وشرطا وموقعا، عسى أن لا يدفعها ذلك إلى أن تترحم على نفسها أيضا، وهو ما لا نتمناه أبدا، وإن كان البعض من المسئولين، ومن أطراف الموالاة لا يزال مستمسكا بأيام التسعينات ذاتها، ولكن من طرف وزاوية مأثورة تسترد عبارة «سكنوا ولدكم» الموجهة للسياسيين والصحافيين وكل الصائحين والصادحين، أكانوا شرفاء وأحرارا، أم خلاف ذلك!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً