حضرتُ أمس - مع من حضر من عشرات الآلاف من الناس - سباق الفورمولا، حيث تتلاقى عوالمُ متعددةٌ من داخل البحرين ومن خارجها... والمناسبة بالنسبة إلى من لا يفهمون كثيرا في سباق الفورمولا ممتعةٌ أيضا؛ لأنها فرصة لالتقاء الكثير من الناس. وفي نهاية السباق بحثت عن سيارتي في أحد المواقف، ووسط الزحام، وقبل أن أتحرك وقف شاب أوروبي بالقرب من السيارة يسألني إن كان بالإمكان أن أوصله إلى المنامة بالقرب من «البرجين»؟ وعرِفت أنه يقصد أحد الفنادق بالقرب من المرفأ المالي. وأثناء التوجه نحو المنامة كان علينا أن نتحدث؛ لأن الوقت طويلٌ بسبب الازدحام وغلق الشوارع هنا وهناك.
الأوروبي شاب من ألمانيا عمره 21 عاما، وسألته إن كان قد جاء خصيصا إلى البحرين من أجل سباق الفورمولا... فكان جوابه بالإيجاب، وأنه حضر سباق ماليزيا أيضا، وهو ما دعاني للاستغراب، لأسأله: وماذا تعمل كي تستطيع السفر إلى كل مكان لحضور سباق الفورمولا؟ فكان جوابه أنه يعمل «طباخا»، والشركة التي يعمل لديها تخدم الفورمولا...
وهل تحب عمل «الطباخة»؟ جوابه كان: «نعم، فوالدي ووالدتي طباخان ماهران يعملان في أحد المستشفيات الألمانية، وتعرفا إلى بعضهما قبل 26 عاما وتزوجا، وأنا ابنهما أحب الطبخ أيضا، وأخي الذي يبلغ 18 عاما لم يقرر حتى الآن ماذا يريد أن يعمل، وأنا سأعود إلى الكلية بعد إكمال فترة من العمل. وأنا أسعى إلى أن أتخصص في مهنة (الميكانيك)؛ لأني أعشق السيارات والمحركات».
الشاب لم يقصر في طرح الأسئلة عليّ، وكنت أجيبه عندما أفهم سؤاله الذي كان يتعثر بسبب لغته الإنجليزية الضعيفة... سألني إن كانت لديّ سيارة سريعة خاصة بي لسواقتها في هواية سباق السيارات؟ فأجبته بالنفي، وأني مشغول بعملي... أما هو فقال إن لديه سيارته في ألمانيا التي يستخدمها في هواية سباق السيارات في أماكن مخصصة لذلك.
أوصلته إلى المنامة، ولكني فكرت في أمره... فهو سعيد بمهنة «طباخ»، وسعيد بأن أمه وأباه يمتهنان الطباخة، وسعيد لأنه يحصل على فرصة للذهاب إلى سباق الفورمولا والعمل طباخا لخدمة لعبته المفضلة... وفي هذه الفترة من التفكير كنت قد وصلت إلى شارع البديع، وإذا بقوات الأمن في كل مكان وعند مداخل القرى، وعلى أهبة الاستعداد لمواجهة شبان صغار من البحرين، يختلفون كل الاختلاف عن الشاب الألماني، ولم يستطع سباق الفورمولا أن يعرفهم ببعضهم بعضا كي يطلعوا على ما يدور في خلدهم وهم في مقتبل العمر، إذ يبحثون عن شيء يسعدهم في حياتهم. مررت بسيارة لمكافحة الشغب، وتمنيت لو أنها لم تكن موجودة، وتمنيت لو أن مناسبة الفورمولا امتدت أجواؤها إلى قوات الأمن وشبان البحرين جميعا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ