العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ

مَرْجَلُ الطَّائِفِيّة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ما تتطلبه إدارة الأزمات هو الاقتناع أولا بأن هناك أزمة. ولاحقا تتأتّى مشاريع الحل تباعا طبقا لذلك الاقتناع. اليوم يُدرك الجميع أن أزمات المنطقة السياسية أضحت أكبر من طاقة أصحاب الأرض الذين يتوزعون على موزاييك الطوائف منذ زمن. ولم يبق إلاّ إدراك أن هذا الجميع قد يلتحم في أي وقت وظرف في معركة خاسرة مع الذات بعناوين طائفية.

أمام هذا الإشكال المُؤلم والطارئ، تُصبح المسؤولية الصحافية ضرورة، والضرورة واجب، والواجب تكليف. فإيجاد الوعاء المتقدم لصون الهوية الحقيقية للقلم بات تكليفا لا يحتمل الهزل؛ فالمراجعة الشاملة وتضمين الأفكار المواكِبَة يُشكل روح العمل في أي محفل كان.

بالتأكيد فإن تجريم الخطأ الظاهر أو المستتر هو مدخلٌ لتكوين ثقافة صانعة للأجواء السليمة، وراعية بالنَّظَارَة على المسارات والتوجهات الصحافية خلال هذه المرحلة الحسّاسة التي تمر بها المنطقة، مع تسجيل كونها خطوة ستتصيّر بلا أدنى شك إلى مشاريع بناء حقيقية قد لا نعيها اليوم.

وما بين العنوان والمعنون للمشكلة الطائفية تتمدد الأفكار والتطلعات لاستعمالات الإحجام والإقدام، والوضوح والغموض لدى الكُتّاب. وبات الاصطفاف بوجه تثوير الأقلام (عنوة) في وسخ الاحتراب الطائفي هو الدواء الناجع الذي ستظهر مفاعيله لاحقا عندما تتحول روح المشروع إلى ثقافة مترسّخة لدى الجميع.

إن إعادة ضبط الكلمة ولغتها ونَفَسَها تجاه القضايا العامة يأتي مؤاتيا بـ «الضرورة» للأجواء التي تعيشها المنطقة، وبالتحديد بعد الاحتلال الأميركي للعراق وبروز أمراء «الحرب الطائفية» في عديد من دول العالم العربي والإسلامي، وبالتحديد تلك القريبة من لهيب العنف في العراق، وما أفرزته من تثوير النّيئين ذوي المشاريع المناطقية.

فالسنوات الخمس التي خلت بيّنت بشكل لافت أن العديد من الكتّاب قد جرفهم «التمييل النفسي القاهر» نحو الاحتماء بنواة العرق والمذهب والاتجاه، وأصبحت الأخبار والمقالات تُجيّر بشكل غير لائق نحو تسجيل مهاترات غير منتهية للجماعات المتصارعة، من دون أدنى احترام للمهنة ورسالة الكلمة.

لقد وصلت الجماعات المختلفة بعقائدها، ومعها أيضا مفاعيلها البشرية من نخب وكتّاب إلى نقطة التماس التي تُنذر بخطر حقيقي. ولم يعد أمام العقلاء إلاّ العمل نحو فك الاشتباك بينهما فورا، لكي لا يذهب النزاع بعيدا نحو تجفيف الروح الإنسانية والمشتركات بين تلك الجماعات.

لا أظنّ أننا بحاجة لأن يأتي فولتير لكي يقلب لنا المعادلة، من «الاقتران الحتمي بين الإيمان والتعصب» إلى «وجود الإيمان في مواجهة التعصب». وليس لنا طاقة أيضا لأن نتقاتل بعناوين الإمامة والخلافة، وأن نبيد أربعين في المئة من أرواحنا كما فعلت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر تحت شعارات النقاء العقيدي.

وإذا كان الجميع يتعلّق بمنجى الديمقراطية في صباحه ومسائه، فعليه أن يُدرك أن التسامح ضرورة ديمقراطية، لأن الديمقراطية تتغذى على صراع الأفكار وتندثر بصراع الأجساد كما هي مقولة الفيلسوف الفرنسي ادجار موران.

والأكثر من ذلك، حين تصبح الأمور أكثر دراماتيكية. فلا يظن أحد أن تسيّده على أرض ما من كُوّة عديد النفوس وتزييدها أو تكثيرها سيعطيه القدرة الكافية لأن يُنجز مشروعه في الإقصاء. لأن الأغلبية العددية في مكان ما تنتفي في مكان آخر قريب وتصبح المعادلة مقلوبة.

بل إن تلك الأغلبية قد تتحول وبكل بساطة من أغلبية عددية إلى أغلبية سياسية تكون أعلى كعبا. وقادرة على إجبار الأغلبية العددية للقبول بِقسمة لا يكون سقفها «حالما» يوازي نزوة الكثرة المستأسدة. وفي ذلك أمثلة كثيرة يُمكن للجميع استحضارها عندما يريدون استحضارها للعظة والتأمل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً