تجتاح لبنان هذه الأيّام جموع من الصحافيين. المدينة طالما كانت ملاذا للمراسلين العاملين عبر المنطقة، تجتذبهم تقلبات الشرق الأوسط وحسنات أسلوب الحياة في بيروت. هذا الشهر تستضيف بيروت بعض الحركات الإضافية عندما يُفتتح مهرجان «صحفيون على الحافة» في دار سينما مدينة الحمراء للفن.
يمثل المهرجان أول تعاون بين دار سينما المدينة وشركة أمم للتوثيق والأبحاث غير الربحية ومركزها حارة حريك. إضافة إلى تنظيم مناسبات ثقافية كهذه تتعامل أمم مع قضايا تتعلق بالعنف المدني وذكريات الحرب بهدف إنشاء أرشيف من الوثائق المتعلقة بتاريخ لبنان منذ الحرب الأهلية وحتى الآن.
هذا الأرشيف الذي تم تنظيمه أخيرا بصورته الحالية طالما كان مشروعا طويل الأمد لمديري أمم، مونيكا بورغمان ولقمان سليم، ويحتوي على مقابلات صوتية وكتب وصحف ومجلات و»أدب رمادي» (كتيبات صغيرة وكراسات وملصقات ومنشورات وصور).
وتقول هانية مروة مديرة سينما المدينة للفنون إنها قررت البدء بسلسلة «صحفيون على الحافة» في شهر نيسان الحالي لإحياء الذكرى الثانية والثلاثين لبدء الحرب الأهلية اللبنانية العام 1975.
«على رغم ذلك مازال تهديد حرب أهلية ثانية في لبنان قائم وبشدة في حياتنا اليومية» تقول السيدة مروة. «هناك جيل كامل لا يعي شيئا عن هذه الحرب ويبدو جاهزا عن غير قصد لإعادة الأغلاط نفسها مرة أخرى».
«قررنا أن نعرض وجهة نظر الصحافيين بسبب قوة الإعلام في المأزق الذي يمر به لبنان الآن والإعلام السياسي الذي تستخدمه بعض وسائل الإعلام للتأثير على الرأي العام»، تشرح السيدة مروة.
يفتتح العرض الليلة بفيلم «لقطات من الحرب» (1996) وهو دراما مثيرة من إعداد المخرج الألماني هاينر ستادلر. ويتابع الفيلم الذي تم تصويره في لبنان والصومال نشاطات مجموعة من المراسلين الحربيين العالميين، بينما يحاولون تغطية حرب أهلية عنيفة في دولة إفريقية وهمية.
تركز معظم القصة على مصور صحافي واحد اسمه جان لوي، والمآزق الأخلاقية التي تبرز من صورة أخذها في مدينة دبلن التي مزقتها الحرب. الصورة تعكس اللحظة التي يُقتل فيها سائق شاحنة من الجيش الجمهوري الايرلندي لدى إطلاق النار عليه من قبل الجيش البريطاني، ما يعطي لوي شهرة واعترافا عالميين. الأمر يبدأ كذلك بخنق لوي بشعور من المسئولية عن موت السائق. بينما يغرق لوي في أعماق شعوره الذاتي بالمسئولية عن الموت يضطر لأن يختار بين المشاركة مباشرة في المعركة أو عدم المشاركة.
«الحوار، من حيث التبادل والمواجهة والانفتاح، هو أمر نفتقر إليه في بلدنا» تقول السيدة مروة.
يتبع كل عرض لفيلم حوار منظم «حتى يتسنى فتح أذهان الحضور وتعريضهم لأفكار جديدة تجعلهم يشعرون بعدم الراحة بشأن الكثير من الأفكار المسبقة والتحاملات الموجودة عندهم».
في 12 أبريل/ نيسان يتحول تركيز المهرجان بعودة إلى الوطن مع «دائرة الخداع» (1981) وهي قصة تقع في أوائل سنوات الحرب اللبنانية الأهلية، من إخراج المخرج الشهير فولكر شلوندورف.
ويوثق الفيلم الحرب من وجهة نظر الصحافي جورج لاشن من هامبورغ (برونو غانز) ومجموعة ساخرة من الصحافيين العالميين. وعندما تطور علاقة لاشن مع أرملة ألمانية حسناء تقيم في بيروت، تهدد دوامة الحرب الوحشية حياة لاشن وسيطرته الذاتية الحضارية.
الفيلم الثالث، «كيغالي، صور من مجزرة» (عرض تحت اسم «العودة إلى كيغالي» العام 2006) يعرض يوم 19 أبريل. ويسجل الفيلم، وهو الفيلم الوثائقي الوحيد في المهرجان، الرحلة الشخصية للمخرج جان كريستوف كلوتز، وهو مصور فرنسي كان حاضرا أثناء مجزرة مئات الألوف من مواطني رواندا في أبريل 1994.
بفيلم ألان رينيه «هيروشيما حبيبتي» (1959) وهو آخر شريط في المهرجان، يتخذ «صحفيون على الحافة» توجها أكثر ذكاء تجاه العنوان. هذا الفيلم الفرنسي الياباني الكلاسيكي يسرد قصة ممثلة فرنسية شابة تصنع فيلما ضد الحرب في مدينة هيروشيما اليابانية التي أعيد بناؤها بعد أن دمرتها القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية.
«هذه الأفلام تطرح أسئلة حول مدى حياة الإنسان،» تقول بورغمان. تقع حوادث كل فيلم في فترة مأسوية عنفية وتداعياتها، حقيقية أكانت أم وهمية. وهي تخاطب، من خلال عيون من يرويها، ليس فقط الأحداث نفسها وإنما كيف سيجري تذكّرها.
«آخذين بالاعتبار أن الذاكرة تبقى قوة واضحة وقاتلة» تكتب بورغمان على موقع أمم الإلكتروني،» يمكن تنشيطها أو كبتها بسهولة من خلال «الغفران» القصري أو غير ذلك يبرز سؤالان إثنان: هل باستطاعتنا كلبنانيين أن نفترض أن النسيان سيضمن الهدوء المدني؟ أليس الانخراط في تاريخنا هو الطريق الأقل خطورة؟
«نحن نعيش في دولة حاولت إنهاء سنوات من العنف من خلال قوانين عفو عام» تقول بورغمان. «ماذا تفعل، إذا كنت تؤمن على الصعيد الشخصي، أن عملية للبحث عن الحقيقة ضرورية للمجتمع؟»
«طبعا، الذاكرة ليست حقيقة مطلقة. الأفلام ليست كذلك أيضا. يخلق صانعو الأفلام عالما جديدا فرديا يتجاوب مع تاريخ الواقع الخاص بهم. من خلال التركيز على هؤلاء الذين يُبنى مستقبلهم على تشريح ونشر سياسة عنف الحرب تتعامل هذه الأفلام مع هذه الحوادث الدرامية المزعجة من خلال عدسة مزدوجة. «صحفيون على الحافة» يتحدى الجمهور بألا يبسّط الواقع وإنما أن يفكر بالتناقضات التي تتضمنها عملية تحليل التاريخ.
«هذه الأفلام تحمل رسالة سياسية لأنها تطرح السؤال «ما هي مسئوليتي نحو بلد أغطّيه صحافيا، إذا كنت أعيش فيه؟» تقول برغمان «إلى أي مدى أستطيع أن أقول «ذلك لا يؤثر فيّ»؟
*كاتبة ومصورة مقيمة في بيروت. والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند» الإخبارية CGNews.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1683 - الأحد 15 أبريل 2007م الموافق 27 ربيع الاول 1428هـ