سمحت لي الظروف بالمشاركة في منتدى تبادل الأعمال التجارية والتجارب البحرينية الأميركية الذي نظمته جمعية سيدات الأعمال البحرينية بالتعاون مع لجنة سيدات الأعمال بغرفة تجارة وصناعة البحرين بفندق الموفنبيك على مدى يومين متتاليين، والذي خرج بتوصيات قيمة تجاه المرأة وقضاياها المختلفة.
وكان كاتب هذا العمود محظوظا، إذ حضر الجلسة التي ناقشت موضوع دعم المرأة من خلال «مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» لتوسيع نطاق مساهمتها في عمليات التنمية التي يحتاجها المجتمع.
حفلت تلك الجلسة بالنقاشات الغنية والمداخلات الجريئة التي انصب معظمها على دعوات جادة سلطت الضوء على العقبات الكثيرة التي لاتزال تقف عقبة في وجه وصول ذلك الدعم عند توافره، وفي أحيان كثيرة غيابه عن مؤسسات هي في أمسِّ الحاجة له.
ليس هناك أي شك في الدور المتنامي الذي باتت تمارسه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات القومية. هذا الدور لم يعد محصورا في الاقتصادات المتقدمة، بل حتى في تلك النامية، كبيرة مثل الهند والصين، أم صغيرة مثل تايوان وسنغافورة.
ومن المسلمات التي باتت راسخة أيضا في كل الأدبيات الاقتصادية، أن نسبة لا بأس بها من تلك المؤسسات، لها علاقة بشكل أو بآخر مع النساء في البلدان المعنية، سواء من حيث الملكية، أو على مستوى الإدارة.
وتشعبت المداخلات، لكن معظمها انصب على البحث عن أقصر الطرق التي بوسعها أن تضع المرأة في موضع القلب من مؤسسات صنع القرار، سواء كانت تلك المؤسسات اقتصادية في عمليات الإنتاج والتسويق، أو تشريعية لصياغة القوانين، ووضع أنظمة من شأنها إنصاف المرأة ورفع الحيف عنها.
مداخلة من أحد الحاضرين لفتت نظر المشاركين إلى مسألة في غاية الأهمية، والتي تعتبر همّا من هموم المرأة بحرينية كانت أم سواها، تلك هي أن معالجة قضايا المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بعدتأسيسها، هي معالجة للمخرجات، ومن ثم في مدخل يلج ساحة الدعم في مراحل متأخرة، ربما تصبخ عندها نوايا ومشروعات الدعم غير مجدية.
وناشدت المداخلة المشاركين ضرورة الاهتمام بالمسألة في مراحلها المبكرة... مرحلة إعداد المرأة وتأهيلها لدخول السوق. وألمحت المداخلة إلى القصور الذي تعاني منه مناهج التعليم المطبقة في المدارس العربية، والتي هي غير قادرة على مواكبة العصر، وعلى وجه الخصوص عند الحديث عن واقع المرأة العربية.
ولو بدأنا بالحديث عن الاقتصاد، فهناك اليوم مد كاسح للعمل وفق قوانين وآليات الاقتصاد الإسلامي، بما يشمل ذلك من أنظمة ضريبية ومالية، في حين تركز برامج التعليم، وتكتض في بعض البلدان العربية، بمفاهيم وآليات الاقتصاد الرأسمالي أو الليبرالي الحر، من دون أن تجرى المقارنات المطلوبة التي تحبذ هذا أو تنبذ ذاك، مما يخلق بلبلة في ذهن الطالب المتلقي أولا، ويحرم سوق العمل من كفاءة بشرية قادرة على الانخراط في تلك السوق عند مغادرتها مقاعد الدراسة النظرية ثانيا.
الأمر ذاته ينطبق، وبدرجة أقسى، عند الحديث عن المرأة، التي يفترض أن تكون نسبة منها ستدخل سوق العمل، مستثمرة كانت أم سيدة أعمال أم ضمن قوى العمل. سيجد المراجع لتلك المناهج تركيزها على تهيئة المرأة وصقل مواهبها، كي تكون ربة بيت تقليدية من الطراز الأول، بدلا من إعدادها كي تكون سيدة أعمال عصرية قادرة على إدارة أعمالها بكل ثقة، وعلى درجة عالية من الكفاءة.
في تلك المرحلة المبكرة من حياة المرأة، أي عندما تكون على مقاعد الدراسة، ينبغي وضع الأسس الأولى التي ترسخ في أذهان واضعي الخطط التعليمية الدور الحقيقي الذي يمكن وينبغي أن تمارسه المرأة في نطاق مساهمتها الفعالة في بناء مجتمعها على الصعد كافة، وبالقدر نفسه زرع عوامل الثقة التي نزعتها من قلب المرأة وذهنها سنوات من القمع الذهني قبل الجسدي، والتي حولت، نسبة عالية من النساء بسبب ذنب لم يقترفنه، من إنسان مبدع ومبتكر ومنتج إلى مخلوق متلق فاقد الثقة وهامشي. ونحن هنا لا نتحدث عن النسب الضئيلة المحدودة التي تشكل الاستثناءات التي تؤكد القاعدة المشينة القائمة.
بشكل عام نجحت المرأة البحرينية في نقل همومها التي تعاني منها، والتي كانت، إلى حد بعيد، هموم نسبة عالية من النساء، وخصوصا العربيات منها، وليست هموم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سوى قسط منها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ