في المقال السابق تطرقت إلى بعض الحوارات التي تمت مع بعض الجامعيين العاطلين عن العمل، وعلقت على بعضها.
في المقال الحالي أستكمل ما بدأت به في المقال السابق وأعلق على أحد الجامعيين العاطلين عن العمل والذي يعد أبرزهم في النفور وحدة الاستنفار سواء في العمل ضمن القطاع الخاص أو في نوعية الوظيفة المعروضة عليه (بائع)، فهو لم يستطع إكمال المكالمة الهاتفية التي استقبلها على رغم أنها تحمل له بشرى انتهاء فترة التعطل إليه والدخول في مرحلة جديدة من حياته، مرحلة العمل والجد والاجتهاد، مرحلة الجهاد وإفراغ مخزون الطاقة التي يستوعبها، ومرحلة تفجير المعارف والمعلومات التي تعرّف عليها وتعلمها منذ أن كان طالبا على مقاعد الدراسة، فأول ما عرف أن الوظيفة المعروضة عليه بائع فجر هواجسه وإحباطاته وقال: لا أريد أن أدخل مقابلة ولا أريد المزيد من المعلومات عنها مهما حاولت فلن تفلح جهودك في تبديل قناعتي الحالية، وإقناعي بالوظيفة. فقد حاول المتصل أن يغريه بمميزات الوظيفة وإغراءات برامج التدريب والتطوير والامتيازات التي تميز الوظيفة ومستقبلها، فهو بحسب ما يعتقد ويعبر عنه: لم أدرس في الجامعة أربع أو خمس سنوات وأتخرج منها حتى أعين بائع بغض النظر عن الامتيازات التي سأحصل عليها.
المسألة كما هو واضح من خلال ما يعبر عنه، مسألة مبدأ فهو يرغب في العمل ضمن نطاق ديوان الخدمة المدنية وهو ينتظر دوره وينتظر التوظيف وسيظل ينتظر وإن طال انتظاره.
نستطيع أن نعلق بأن الجامعي العاطل عن العمل في قناعاته الحالية له الحق فيها فهو على كل حال صغير في السن ولا يمتلك أية تجارب عملية، ولا يمكنه بالتالي أخذ قرار مهم كهذا وأن قناعاته الحالية ناتجة بالدرجة الأولى من تفاؤله إلى جانب حماسه الكبير نتيجة سماعه عن مميزات وإيجابيات القطاع العام وعيوب القطاع الخاص، ولكنه يتضح أنه لا يعرف إلى الآن مميزات وإيجابيات القطاع الخاص لكون العاملين في القطاع الخاص لا يكفون عن التذمر والشكوى لكونهم لا ينالون ما يناله العامل في القطاع العام.
العاطل باختصار شديد لا يزال ينظر إلى الأمور بعيون واحدة أو بعيون ضيقة فهو على كل حال معذور للأسباب السابقة، ولأسباب أخرى نتيجة انعدام التوجيه الإيجابي والثقافة الحالية الراسخة في المجتمع بأن الوظيفة في القطاع العام مضمونة فلا ينتظر الموظف فصل أو غيرها من جزاءات تأديبية إلا بخطوات جدا سلحفائية وفي حالات قليلة ونادرة جدا.
لكن من المقدمة نستنتج أن المستقبل اليوم سواء في البحرين أو في المناطق المجاورة يتجه إلى القطاع الخاص وإلى قطاع التجزئة بشكل خاص جدا، لأن هناك نموا غير عادي، المفترض اليوم قطاع التجزئة يمتص البطالة الموجودة لدينا سواء كانت الجامعية منها أو غيرها، والملاحظ أيضا أن هناك تركيز كبير على البحرنة في هذا القطاع تحديدا، وحتى يفهم الشباب ذلك على مؤسسات المجتمع المدني، وخصوصا الشبابية منها أن تعمل جاهدة بغرض توفير مقدار من البرامج التوعوية إلى الشباب وترسم إليهم المستقبل بالأدوات والآليات المتوافرة حاليا لا بأدوات بالية.
فالذي ينتظر أن تأتي الفرصة إلى باب بيته ويعيش على حلم الوظيفة الحكومية فهو كمن حفر لنفسه قبرا ومستعد لأن يدفن نفسه فيه في أي وقت يشاؤه.
العاطلون الجامعيون من حقهم أن يحلموا في الحصول على وظائف محترمة نظير الجهود المبذولة طوال فترات دراساتهم، لا نبخس حقهم فهم على كل حال ضحايا سوء التنسيق والتخطيط بين جامعة البحرين ووزارات الدولة، ولكن عليهم أن يتعاطوا مع الواقع بصور أكثر إيجابية وعليهم أن يدرسوا السوق واحتياجاتها، وعليهم أن لا يستنكفوا بالعمل ولا ينظرون إليه نظرة مستحقرة، فكل الأعمال الشريفة محترمة ولا ننسى قدوتنا نبينا محمد (ص) كان يعمل راعيا للأغنام وغيره الكثيرين من الأنبياء كالنبي داود (ع).
وعليهم أن يعرفوا من الآن أن القطاع الخاص المرفوض حاليا من قبل الكثير من العاطلين لمخاوف غير مبررة كفيل وقادر على توفير التطوير الشخصي اللازم والاستقلال المالي المحروم منه العامل في القطاع العام لأن هناك منافسات غير عادية بين التجار وأصحاب المصالح وبالتالي يحاولون تحدي المنافسة من خلال توفير فرص التدريب والتطوير لموظفيهم، أما فيما يتعلق بالقطاع العام فهناك الجمود وهناك التجميد أيضا، وهناك أنانيات غريبة يختص بها بعض الأنانيين المحتكرين لكراسيهم ولمناصبهم، الخائفون من زحف أصحاب الطموحات، فالموازنات المرسومة للتدريب والتطوير في الغالب لا تذهب للموظفين، حيث يظل الموظف في الغالب لعابه مسالا لحضور بعض الدورات التدريبية دون جدوى، ولكنها في الغالب تذهب للمدراء والمسئولين سواء داخل البحرين أو خارجها فهم يخشون على أنفسهم من أصحاب الطموحات، وبالتالي يصرفون من وقتهم الكثير ويصرفون من موازنات التدريب الكثير في تطوير قدراتهم، والموظفون الآخرون إليهم الله.
أحد الموظفين في إحدى وزارات الدولة يقول: إن الوزير اجتمع معهم ذات مرة وزف إليهم بشرى بأن يكون لكل موظف 50 ساعة تدريبية سنويا، ولكن منذ أن سمعوا الحديث إلى يومنا هذا لم ينالوا ولا ساعة واحدة في حين أن مسئولهم المباشر يتنقل من برنامج تدريبي إلى آخر داخل وخارج البحرين وبمنتهى الصمت ولا من شاف ولا من درى، فالأنانية تأكل اليابس والأخضر.
بعكس القطاع الخاص الذي يهدف إلى تطوير الموظف كنوع من الاستثمار للقطاع ولمواجهة التحديات القائمة هذا ما لم نسمعه من عاملي القطاع الخاص لعاملي القطاع العام.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ