العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ

نواب أم صحافيون؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

عرفنا الكتابة الصحافية كإحدى أصعب المهن وأكثرها مشقة، ومبرزة ومكبدة للمسئوليات الجسام، فهي أشبه بالداء الذي يرهق الفكر من كثرة ما تستدر من أفكار رصينة، ونظرا لما تتطلبه من ملكات لغوية وتعبيرية خلاقة ومجزية وتدخل الكاتب إلى بؤرة الصراع العام ومشاغله ومثيراته وملهياته الاستفزازية من أوسع نوافذه وأبوابه، وإنك لتجد الكاتب الصحافي أو الصحافي الحقيقي بكل ما في الكلمة من شكل ومعنى، كثيرا ما يتبرم ويئن تحت الأثقال الموجهة لمهنته ومعاركها اليومية الطاحنة والمتواجهة مع هموم الفرد ذاته أو المجتمع أو الدولة أو الكل!

ولكننا وعلى رغم الحديث عن بؤس ومشقة مهنة لوحدها أو خيار الكتابة الصحافية في حد ذاته، فإننا لا نملك إلا وأن تقصفنا الحيرة أمام ظاهرة غريبة وخارقة للعادة تتمثل في أن يتوجه بعض الإخوة النواب الأفاضل من أعضاء السلطة التشريعية إلى امتهان الهيمنة على فضاءات الصحافة وأعمدتها ومقالاتها اليومية في ليلة وضحاها، بل إن البعض منهم يجمع ما بين منبر السلطة التشريعية ومنبر الكتابة الصحافية شبه اليومية، ومنبر صلاة الجمعة!

ولعل أول سؤال يتبادر إلى أي ذهن سوي أمام تلك التداعيات القائمة هو:

هل لدى أخونا النائب الكاتب الخطيب الوقت الكافي، وعلى رغم زحمة القضايا والملفات والأجندة المصيرية المتراكمة منذ عقود معقودة والملقاة على كاهله، وذلك ليتسنى له أن يمارس أكثر من مهنة وينهض بأكثر من مسئولية ومن بينها مسئولية الصحافة إلى جانب مسئوليته ودوره في السلطة التشريعية؟!

وهل سيكون بإمكانه أن يتقن حرفته ويؤدي مهمته وواجباته بينهم سواء أكانت السلطة التشريعية أم الصحافية أم الإمامة وخطبة الجمعة؟ وهل يستطيع أن يتكيف مع شروطهم جميعا؟

للأسف، ومع التفكر والتأمل في الواقع الكاريكاتوري القائم في المشهد المحلي، يبدو أنه غاب عن ذهن الإخوة النواب الكتاب والخطباء معا قاعدة أساسية مفادها أن الصحافة مثل السلطة التشريعية، مختبر له أدواته ومعداته، ولابد من توافرها، كما أن لها شروطها وقوانينها وأعرافها المحكمة، ولا يمكن أن تعدّ بمثابة «براحة خلفية» يبسط عليها النائب المحترم في ليلة وضحاها نفوذ خيمته أو قصره، ويجسد عليها في ليلة وضحاها معاركه الشخصية والفئوية والمسيسة والمصلحية، أو يسكب عليها فائض أحلامه وتطلعاته التوسعية من دون اعتبار أن في الأسفل هنالك قراء يقفون عليها!

وبالتأمل المرير في حال تلك التجارب لنواب يزاولون الصحافة، فإن المرء بإمكانه أن يستنتج واقع الابتذال الذي اتجهت نحوه بعض الكتابات الصحافية التي أصبحت أحد أيسر أشكال الارتزاق المعيشي في وقتنا الحالي وتكبير المحفظة المعيشية والاستثمارية والظهر المصلحي!

فبعض هؤلاء النواب الذين دخلوا مضمار الكتابة الصحافية أوتوماتيكيا بعد دخولهم السلطة التشريعية، أو دخلوا إلى المنصة التشريعية عبر سلم الصحافة، فإنهم يفتقرون لأبسط معايير ومقومات ومهارات الكتابة الصحافية، سواء من خلال الأسلوب اللغوي الضعيف والركيك في انتقاء الكلمات وصياغة العبارة أو، حتى قبل ذلك، في انتقاء الموضوعات والقضايا وإعطاءها أقل المستحق من التحليل الرصين والتفكيك الجاد للوصول إلى نتيجة معقولة ومنطقية بعيدا عن الردح والإثارة التي على رغم أهميتها إلا أنها لا يمكن أن تختصر بها الصحافة!

كما لا يمكن فقط أن تكون خفة الدم أو سلاطة اللسان أو وسامة المحيا شرطا وحيدا لإتقان أبسط قواعد الكتابة الصحافية، وبكلمات موجزة ليس كل من أمسك القلم واختط له خطا أصبح كاتبا صحافيا، كما أن التقادم الزمني وحده ليس كافيا لأن يكون الفرد كاتبا صحافيا طالما لا تتوافر لديه أبسط الملكات الكتابية وسعة الاطلاع والقابلية للتوليد الإبداعي للأفكار المعقولة والأصيلة، والتعبير عنها وصياغتها بشكل متمكن، بل والأسوأ أن يكون هنالك من صناع الواقع الاحتفائي الجديد ممن أدمن ارتكاب السرقات الصحافية المكشوفة!

ولعل مثل هذا الواقع المأزوم لنواب يصيرون كتابا صحافيين في ليلة وضحاها، قد ساهم في المحصلة في إفراز نوع رديء من الكتابة الصحافية لا تكاد أن تقيم بينه وبين الثرثرة الهاتفية فرقا يذكر، والأسوأ بكثير من ذلك، هو أن هنالك من الإخوة النواب وفي تنقلاته لا يقيم فرقا بين العمل الصحافي والعمل التشريعي، فإذا ما تعسر عليه أن يستوعب أدواته وصلاحياته وسلطاته التشريعية وضاقت عليه مختلف الآفاق والسبل غير المفهومة، التجأ إلى السكة الصحافية لإثارة هذا الموضوع شعاراتيا، والترويج لذاته ودوره النيابي وللتبرير لإخفاقاته في العمل البرلماني، أو حتى للتهجم على زملائه في البرلمان من خلالها الأمر الذي قد يساهم في توهيم القارئ وتضليله، فما طرحه النائب في برنامجه من وعود انتخابية للناخب ومنحه الكثير منها في شيكات لم يسفر عنها رصيد حتى الوقت الحالي، لابد وأن ينجزها النائب برلمانيا في النهاية إن استطاع إليها سبيلا، وإلا فليستقل إن لم يستطع، فالناخبون انتخبوا لهم نائبا لا كاتبا صحافيا أو خطيبا للجمعة، والكلفة المادية للأول على حساب الدولة والمجتمع أعظم بكثير من كلفة الأخيرين!

وإذا ما أصر النائب على نقل قائمة وعوده الانتخابية من منصة البرلمان إلى طاولة الصحافة، فليعتزل العمل البرلماني ويقر بإخفاقه إن كان عقيما وغير مجدٍ، ويتفرغ للاطلاع والبحث وشحذ القدرات اللغوية والبلاغية والمناورة الفكرية والنقدية في الساحات الصحافية من دون أن يكلف ويحبط ناخبيه الذين عولوا عليه كثيرا!

فهل من قدر الصحافة تحت ذريعة «التعددية» أن تكون حائط مبكى للنواب أم هي محفظة للاستثمار الشعبي وتعزيز القاعدة الاجتماعية كما هي صندوق معيشي إذا ما عاد الراتب والامتياز النيابي فوق المجزي كافيا للنائب؟

ألا يجدر ببعض الزملاء الصحافيين من مسئولي التحرير أن يعالجوا إفرازات هذا الواقع المأزوم وأثره السلبي المدمر على الصحافة وعلى احترام القارئ، فيكرسوا جل جهدهم الكريم في تسليط الضوء على العديد من المواهب الأصيلة والنادرة التي ظلت مغمورة ولم تجد ما يرشدها إلى دنيا الكتابة الصحافية ويفتح لها الأبواب والنوافذ؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2253 - الأربعاء 05 نوفمبر 2008م الموافق 06 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً