لا تكاد تخلو الأخبار التي تنقلها وكالات الأنباء العالمية كل يوم أو يومين من خبر عن مرض «انفلونزا الطيور»، أين وصل، كم عدد المصابين به، ساءت حالتهم أم تحسنت، توفوا أم هم على مشارف الوفاة. الكل يشعر بالرعب من اقتراب المرض القاتل، واحتمال الإصابة به. الكل أيضا يشعر برعب من «الدجاج» وكل أنواع الطيور وينفر حتى من أكله. الكل ينظر إليه على أنه «طاعون العصر» الذي لو انتقل فسيبدأ ينتشر انتشار النار في الهشيم، ولن يتوقف حتى يقضي على جميع سكان الأرض.
ولا يمكن أن يلام أحد على خوفه من هذا المرض المرعب، فكيف لا يخاف وهاجس ملح يتغذى يوميا بإشارات التحذير من انتقاله وأخبار المصابين به والمتوفين بسببه. كلها أمور لا تخلق التوجس من المرض فحسب، لكنها تجعل من الفرد مرعوبا حتى من فكرة أكل الدجاج، أو الاقتراب من الطيور.
وسط ذلك كله تطالعنا بعض التحليلات التي بدأت تنتشر أخيرا عن هذا المرض لتقول إنه تسبب منذ اكتشافه حتى اليوم في وفاة عدد لا يتجاوز 200 فرد من البشر حول العالم. 200 فرد فقط من كل بلدان العالم يتوفون بسبب مرض انفلونزا الطيور في سنوات، بينما يصل عدد ضحايا أمراض أخرى كالسرطان والإيدز والسل الآلاف أو الملايين. ناهيك عن ضحايا الحوادث، والحروب. التفسير الذي تسوقه تلك التحليلات عائد إلى أن إحدى الشركات الأميركية وقعت عقد احتكار لصناعة الدواء المعالج لهذا المرض حتى العام 2016، ولذلك بدأ استخدام السلاح الأكثر وقعا وتأثيرا على الجمهور «الإعلام» لخلق رعب عالمي يجعل من شراء هذا الدواء الأميركي حاجة ملحة.
وعلى رغم ما يحمله هذا التحليل من تباين «لنظرية المؤامرة» التي تفسر كثيرا من الأمور على أساسها، فإنه يحمل وجهة نظر لابد من تفحصها بدقة. فالعدد «المحدود نسبيا» من ضحايا المرض وعدم ثبوت إمكان انتقاله من بشر إلى آخر بعد، ووجود دواء «أميركي» معالج له قيل إنه وصل صيدليات وزارة الصحة أخيرا، كلها أمور تجعل من الفرد يتأمل إلى ما بعد الرعب «الإعلامي» من هذا المرض.
كل هذه التحليلات لا تنفي طبعا خطورة المرض فيما لو أصيب به الإنسان، ولا تنفي أيضا خطورة انتشاره فيما لو انتشر. ولا تغني أيضا عن الحذر والأخذ بالأسباب والالتزام بالتعليمات والإرشادات التي تقي الفرد من خطر الإصابة. ولكن من دون تضخيم أو إثارة. ولنتذكر أن غالبية المصابين بهذا المرض هم من سكان دول شرق آسيا المعروفة بأكل كثير من اللحوم نيئة من دون طبخ، فيما تحرص باقي الشعوب «والمسلمون منهم تحديدا» على طهي لحومهم جيدا قبل الأكل الأمر الذي يقيهم خطر كثير من الفيروسات إن وجدت.
في النهاية نتمنى ألا يتحول مرض «انفلونزا الطيور» إلى هاجس ينفر حتى من أكل لحوم الطيور بأنواعها، وهو النفور الذي أصيب به كثيرون من دون أن يعلموا أن الفيروس لو وجد فلا يمكن أن ينتقل إلا من طير حي، وليس طيرا ميتا ومطبوخا ومعدا للأكل.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1681 - الجمعة 13 أبريل 2007م الموافق 25 ربيع الاول 1428هـ