العدد 1679 - الأربعاء 11 أبريل 2007م الموافق 23 ربيع الاول 1428هـ

الوطنُ يحضنك رمزا يا «بوأمل»

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

مبادرة كريمة، ولفتة إنسانية راقية تستحق الإشادة والتقدير، تلك التي أبداها سمو رئيس الوزراء تجاه الرمز البحريني التاريخي والمناضل الوطني الكبير عبدالرحمن النعيمي - شافاه الله - الذي يخضع حاليا في أحد مستشفيات العاصمة المغربية (الرباط) إلى العلاج والمراقبة الطبية المستمرة جراء إصابته بالتهاب حاد بالبنكرياس.

وهي - أي البادرة الحسنة والالتفاتة الإنسانية - إن دلت على شيء فإنما تدل على احترام وإجلال إيجابي واجب، قد تكون الدولة أبدته تجاه المسيرة النضالية الوطنية التي خاضها المناضل «بوأمل» وغيره من مناضلي وشهداء البحرين في سبيل القيمة العليا للمبدأ، وتحقيق قيم الحرية والكرامة والمساواة، التي لعبت دورا تاريخيا مفصليا لا يمكن التقليل من حجمه، بغض النظر عن الاختلافات الحاصلة في التصورات والرؤى والمواقع السياسية، وتشكيلات العلاقات التاريخية بين منظمات المجتمع المدني ونخبها المتحررة وبنيان الدولة بأجهزتها وبمؤسساتها المختلفة.

فقد أتت تلك البادرة والالتفاتة الجلاء في الوقت الذي تنكر فيه بعض الوصائيين من شذاذ الآفاق ومحترفي الوصول والتسلق السياسي والمهني بدعوى «الأصول» لتلك الصفحات التاريخية المشرقة المسطّرة بأحرف من نور في ذاكرتنا الوطنية التي ننتظرها كاملة.

كما أتت هذه البادرة الطيبة لتمثل أنموذجا راقيا يُحتذى به في انسجامية العلاقة والروابط الرعائية والحقوقية بين الدولة وبين مواطنيها، وربما تقدم صورة مأمولة لبداية علاقة صحية منتعشة بين أطراف الحكم والمعارضة الإصلاحية السياسية، والذين لا يحق لأي فرد ومخلوق كان أن يصادر حقوق مواطنتهم، لمجرد الاختلاف في الرؤى السياسية، وترتيب الأولويات الوطنية.

فإن ينل المواطن الصالح عبدالرحمن النعيمي - الذي يتبنى رؤى إصلاحية جذرية لا انقلابية - العلاج والرعاية الصحية من الدولة، وعلى حساب نفقتها، فذلك ليس إلا منحا مثمنا ومقدرا لأبسط حقوقه الأولية المناط بالدولة تحقيقها له أولا كمواطن معلق مصيره في رقبة الدولة، وثانيا كمورد قومي، ومخزون نضالي وطني نفيس، ساهم في إثراء الذاكرة الوطنية البحرينية، ويستحق الرعاية والتكريم والتقدير، إذا ما أريد خلق دولة مواطنة حقيقية، وفتح صفحة جديدة، وإعادة الحيوية المستلبة للمناخ السياسي المدني في واقعنا المحلي.

وبالتالي فلا يجوز لأمثال تلك المبادرات والأدوار أن تشكل أية حساسية ضدية وحذرا متحفظا لدى بعض الإخوة الأعزاء من أصحاب المواقف «البيوريتانية/ التطهرية» والرؤى «النهلستية/ العدمية» سياسيا، والذين ينبغي لهم أن يدركوا بحسن نية إيجابية أن تلك الواجبات والمبادرات يمكن لها أن تأتي على وزن ومقام «أعطِ لكل ذي حق حقه»، وليست على نغمة مطلقة هي «شبكنا الحكومة وبئينا حبايب»!

وبصراحة، يحق لنا أن نتفاءل بأمثال تلك المبادرات المعهودة من سمو رئيس الوزراء صاحب المسيرة التاريخية في بناء الدولة وتعزيز أركانها، المعروف بدعواته إلى تيسير أمور المواطنين وحل مشكلاتهم ومتابعة احتياجاتهم من قِبل المسئولين والأجهزة المختصة بالدولة، والتي قد تشكل فاتحة لانفراجة واسعة في أن تقوم الدولة بواجبها الأبوي والرعائي بعلاج مشكلات وقضايا المواطنين وحلها، وحلحلة القضايا والأزمات العالقة، التي بجميع تراكماتها ساهمت في المحنة المرضية وغيرها من محن ألمت بـ «بوأمل» ذي الهم الوطني المديد، وجعلته مسافرا ومتجولا ومهموما لا يملك سوى مبادئه وقيمه الإنسانية العالية العصية على المساومة والتطبيع والتنازل!

فهو «بوأمل» كما وصفه أحد الإخوة الأعزاء ذات يوم بأنه رجل على مقاس وطن فيما يحمله من هموم وشجون، وما يعانق من قضايا وأزمات، يعانيها المواطن البحريني البسيط، وبالتالي يحدونا الأمل في أن تكون تلك المبادرة الوطنية لعلاج المناضل الوطني «بوأمل» من محنته المرضية مبادرة مشتركة لعلاج الوطن بمواطنيه من جميع أمراضه ومصائبه وملماته التي ألمت جميعها بـ «أبوأمل»، فإن تعالج النعيمي فهو أن تعالج وطنا بكامله!

وإن كان «بوأمل» عبدالرحمن النعيمي - أطال الله في عمره - قد قضى جلَّ عمره ووقته في مكابدة شقاء النضال السياسي الوطني، وتجرع عذابات المنافي والغربة في كؤوس من نار، وإن كان قد قدر له سابقا أن يعيش مغيبا ومجهولا، ومضمحلا صيته من الوعي والتصور الشعبي الذي أوهنته أمراض المعيشة والرعب وتسطيح الفكر، فإن قدره هذه المرة، وبعد الانفراج السياسي والدعاوى الإصلاحية، أن يكون أينما ارتحل وحل أخا وحبيبا في قلوب الناس هنا في البحرين، التي استطاع بعبقه النضالي الوطني تجديد وتنوير مفاصل وعيها من «روماتيزم» وهشاشة زمن أمن الدولة الغابر في وقت قياسي جدا.

وإن لم يتمكن عبر ذلك من الوصول إلى كرسي برلماني فلم يكن ليجد فيه غاية كأصحاب الصحف الصفراء، إلا أنه تغلغل لطيفا كأصابع الضياء في كراسي ومقار القلوب والأرواح لشعب متمسك برحابتها، فليشفِه الباري عز وجل، وليطهره ويطهر الوطن بماء زهرة آلامه من الذنوب والآثام، كما يطهر الثوب الوطني الأبيض من أدناس الطائفية والقبلية والفئوية والانتهازية الوصولية!

الشكر موصول ومتجدد لك يا رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة على مبادرتك والتفاتتك الإنسانية، فمثل هذه المواقف الوطنية النبيلة أنت لها وصاحبها.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1679 - الأربعاء 11 أبريل 2007م الموافق 23 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً