لا يختلف اثنان على الحكم بأن المستوى المعيشي للمواطن البحريني قبل أكثر من عشر سنوات كان أفضل من الوضع الحالي، هذا مع أن أسعار النفط آنذاك قد تدنت لمستويات سحيقة، « وربما تكفي إشارة، إلى أن الدول العربية المنتجة للنفط في الخليج خسرت 15 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 1997 في ضوء انخفاض سعر البرميل من متوسط 18 دولارا إلى متوسط 13 دولارا».
وبعد عشر سنوات، ارتفع إنتاج البحرين من النفط بشكل كبير جدا، فحقل أبو سعفة وصل إنتاجه منذ العام 2004 إلى 300 ألف برميل يوميا، ونصيب البحرين منه 150 ألفا، وكان حتى سنة 2003 يبلغ إنتاجه أقل من 130 ألف برميل تتقاسمه البحرين والسعودية. في الوقت نفسه، ارتفع سعر برميل النفط من 13 دولارا العام 1997 إلى أكثر من 60 دولارا حاليا.وتضع الحكومة في تصرفها في الوقت الحالي 1.88 مليار دولار موازنة لهذا العام 2007، وهو ما يقارب من الـ %50 من إجمالي الدخل المحلي للعام 2006.
الآن وبعد أكثر من عشر سنوات، ارتفعت الموازنة المرصودة أكثر من %300، ومهما اقتطعنا من نسبة لأسباب عديدة كالرواتب وانخفاض الدولار، والعجز في الموازنات السابقة...الخ، فإن الرقم هائل جدا. والأرقام تتكلم عن نمو حقيقي لمجمل الدخل المحلي، وهذا يعني ليس مجرد توسع اقتصادي، لأن التوسع الاقتصادي يهدف للمحافظة على مستوى المعيشة للسكان، فيتم التوسع الاقتصادي من أجل مواكبة الزيادة في السكان من دون أن يتأثر مستوى معيشتهم. أما النمو الحقيقي، فيعني ارتفاعا في الدخل بعد اقتطاع نسبة التضخم، ومن ثم يعني ارتفاع مستوى المعيشة وليس مجرد المحافظة عليها.
وإذا أضفنا لكل ذلك أن الدولة قد تبنت التحول نحو اقتصاد السوق الحر، وهذا يعني أيضا عدم قيام الدولة بإنشاء مشروعات استثمارية بهذه المبالغ التي تتحكم فيها، إذ يُترك هذا المجال للقطاع الخاص، هذا مع أن الدولة تتصرف في نسبة خطيرة من مجمل الدخل المحلي، حينها نسأل أين أثر كل هذا النمو وهذا الارتفاع الصاروخي في الموازنة؟ والمعلوم أن متوسط دخل الفرد السنوي من الناتج المحلي الإجمالي في بلادنا ارتفع لما يقارب 21 ألف دولار أي ما يقارب 648 دينارا شهريا حسب آخر تقرير للتنمية البشرية، وفاق بذلك حتى دولة الكويت، مع أن الأجانب وأكثرهم من ذوي الدخل المتدني قد ازداد عددهم لحوالي %50 خلال السنتين الماضيتين فقط، وهؤلاء محتسب لكل فرد منهم متوسط الدخل نفسه المذكور آنفا، أي 638 دينارا شهريا، لكل صغير وكبير.
بعد كل هذه الحقائق نسأل: ماذا يحدث؟ وأين آثار هذا النمو الذي تتبجح به الأطراف الرسمية، بينما وقائع الساحة تشير إلى اتساع رقعة الفقر بصورة خطيرة جدا، خصوصا مع الارتفاع المجنون في أسعار السلع الضرورية للمواطن؟ أم أن هذا النمو مثل بيض الصعو نسمع به ولا نراه؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ