مرت ست سنوات منذ البدء بمشروع الإصلاح في البحرين، ولو راجعنا الخطاب السائد لدى القطاعات الشعبية والسياسية آنذاك فسنجده أكثر تطورا في جوانب عدة من الخطابات التي انتشرت في الفترة الأخيرة.. بل إن بعض الخطابات تنذر باحتمال اتجاه البحرين نحو «الطلبنة» بصورة مخيفة في الفترة المقبلة، على رغم تشدُّق الجهات الرسمية والأهلية بالديمقراطية... ويساعد على انتشار فرص «الطلبنة» عدد من الاحباطات التي مررنا بها خلال الفترة الماضية، ولاسيما ما يدور في أوساط الناس من أحاديث بثها تقرير أثار الرأي العام، وجعل من تلك الأحاديث «مرجعية مقدسة» لدى أوساط عدة تتحرك في المجتمع، وأصبح هذا التقرير «ملهما» لشعارات جديدة.
طلب مني أحد الإخوة قبل فترة أن أحضر مستمعا لأحد الخطباء في شهر المحرم الماضي بعد أن وصفه بالمتطور، وحضرت معه، ولكنني فوجئت بالخرافات تنطق في وضح النهار، وقصص وتأويلات لم ينزل الله بها من سلطان، والحضور كان جالسا مستمعا... وكأنه راضيا. تذكرت أيضا أنني حضرت قبل سنتين أو أكثر للاستماع إلى خطيب آخر تمتلئ له قاعة المأتم، وإذا بذلك الخطيب يسرد حوادث عن أمور من المفترض أنها حدثت في عصرنا الحاضر، وانطلق من خبر كاذب (ربما أنه ألّفه أثناء إلقاء حديثه لأنه لم يكن محبوكا)، وعلى أساس تلك الخرافة أعطى تنظيرا وتوجيها ليس له أول ولا آخر. بعد الاستماع إليه والخروج من المأتم، سألت من كان معي عن الأجر الذي يحصل عليه ذلك الخطيب، وأجريت عملية حسابية سريعة فكان الرقم الذي خرجت به هو 400 دولار في الساعة. وعقبت بأن هذا السعر ينافس أخطر المستشارين الدوليين في عواصم العالم المختلفة. وسألت: كيف يتحدث هذا الخطيب عن أمر يمكن التفحص من حصوله أو عدم حصوله بسرعة من خلال الدخول على الانترنت؟... غير أن جواب مَنْ كان معي: ومَنْ قال لك إنه لا يعلم بأنه يؤسس ما قاله على كذب؟ ومَنْ قال لك إن المستمعين لا يعرفون أنه خرافة؟! ... ولكن في نهاية الأمر فإن «سوقه رائجة».
هذا النوع من الخطاب يتوسع مع الأيام، والآن ينطلق من البرلمان والتلفزيون الرسمي وليس فقط من المسجد والمأتم، وكل ما يحتاجه أحدهم هو أن يلبس شيئا يشبه ما كان يلبسه رسول الله (ص)، ويمتلك صوتا جهوريا، ويصرخ في السماعة أمام أي جمهور يتوافر له، مازجا ما يقوله بحديث أو آية، ومنطلقا نحو جهة تروق له، وبأي محتوى، سواء كان صحيحا أم غير صحيح.
هذا النوع من الخطاب هو الرد المباشر على عدة ممارسات خاطئة ومحبطة من الجانب الرسمي، فهو الذي شجّع نوعا آخر من الطلبنة (في الاتجاه الاجتماعي المناقض)، وذلك إيمانا منه بالحاجة إلى تضارب القوى وتغليب واحدة على الأخرى. وفي المحصلة، فإن بيئة المعارضة أصبحت تحت رحمة اتجاه طالباني من المرجّح أن يتوسّع، والبيئة القريبة من الاتجاه الرسمي أيضا تحت رحمة اتجاه طالباني آخر يتوسّع حتى في الدوائر والوزارات والتلفزيون، والضحية الأولى في كل ذلك: بلادنا، والطموح الذي حمله الكثيرون منا بالانتقال نحو دولة المساواة أمام القانون، ونحو مجتمع المواطنة.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1678 - الثلثاء 10 أبريل 2007م الموافق 22 ربيع الاول 1428هـ