لاشك في أن عقلية الحكم في دولة قطر الشقيقة تسير على بينة تستنير بحقيقة أن التغيير هو الثابت الوحيد للصعود إلى هرم التطوير والنهضة التنموية، وأن الركون إلى زاوية الارتجال والبعثرة السياسية والاعتماد على تصورات طلبة التغيير فذلك يمثل استسلاما لنتيجة الفشلين السياسي والاقتصادي، بل موصلة الإصرار على تبني خطط وبرامج وتنفيذ مشروعات لم يكتب لها النجاح ولم يعلن فشلها حفاظا على مشاعر طلبة التغيير، فكان لدولة قطر أن تتصدر دول الخليج في جرأة التغيير وواقعيته بالشكل الذي يلمسه كل زائر للدوحة الجديدة.
ومن الملاحظ أن تلك النقلة النوعية في سلوك صانع القرار القطري قد أحرجت بعض دول الخليج التي لا تعترف بالتغيير سنة طبيعية في حياة الأمم، ولا تريد مسايرة التطور النسبي لثقافة الشعوب، وترجمة حقها الثابت في التخطيط والمشاركة السياسية، وصولا إلى مرحلة التوافق بالشكل الجديد والمطلوب للدولة، الذي غالبا ما تعتليه روح التجديد وتحدد ملامحه صبغة العصر... يحدث ذلك أن اعتمدت السلطات في هذه الدول على مجدافي العبور المتوافق بين الحكم والشعب، على أن يكون التجديف في اتجاه واحد وبإيقاع يضمن التألق والنجاح في نهاية المطاف.
بعد تعيين الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني رئيسا للوزراء في قطر، تلك الشخصية التي سببت الإزعاج للبعض، والقادرة على التمرد على رتابة الأعراف الدبلوماسية الخليجية، بما يحقق اختراق الجبهات الإقليمية والمحافظة على خصوصية الوضع السياسي لدولة قطر في آن واحد، وإن كانت لسياساته مناورات تأقلم معها صنّاع القرار في دول الخليج، إلا أن النقلة النوعية للواقع التنموي والاقتصادي لدولة قطر خلال السنوات العشر الماضية قد جعلت من خططه ومن برامجه نقطة جذب للكثير من المستثمرين العرب والأجانب، في حين أن دولا أخرى مازالت تستورد الدراسات ولا تعترف بقدرة المؤسسات المحلية على التفكير والتخطيط للمستقبل، فكانت ثقة تلك الدول بثقافة الرجل الأحمر بمثابة الشبح الذي يلاحق أفكارها وينفذ مشروعاتها، في حين أن صانع القرار مازال مترددا بين الماضي والمستقبل، حائرا بين ملابس الصيف والشتاء، ولذلك فهو لا يدرك جسامة أخطائه، ولا يرضى الا بسماع عبارات الثناء والتبجيل بلغة انجليزية محكمة.
إن كان التغيير الأخير في قطر قد وضع الدول الأخرى أمام واقع جدلي لتحديد أولويات الغد، فأمام تلك الدول فرصة مناسبة لاسناد الملفات الاقتصادية والاجتماعية إلى ذوي الخبرة والاختصاص، فليس من الضرورة تغيير الأفراد مادامت العقليات لا تستجيب لنداء العقل الصحيح، فالاعتماد على جهود الشباب استعانة بخبرة وحنكة رجال السياسة والاقتصاد فذلك قد يؤدي إلى وسطية جديدة تحترم بصيرة الماضي وتثق بحيوية المستقبل، وتضع من الأفكار والرؤى ما يكفي لصوغ استراتيجية ثابتة تقوم على التفكير المشترك واحترام القناعات الجماعية.
إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"العدد 1677 - الإثنين 09 أبريل 2007م الموافق 21 ربيع الاول 1428هـ