العدد 1677 - الإثنين 09 أبريل 2007م الموافق 21 ربيع الاول 1428هـ

أربع سنوات... وأربعة نصوص

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

وسط إجراءات أمنية ومظاهرات شعبية وتجاذبات سياسية مرت أمس الذكرى الرابعة لاجتياح بغداد. حتى الآن لم تعلن الأسباب الرسمية التي دفعت إدارة جورج بوش إلى اتخاذ هذا القرار/ الكارثة. فالقرار أسفر عن سقوط نحو 150 ألف قتيل عراقي ونصف مليون جريح وثلاثة ملايين نازح اضطروا إلى مغادرة أماكن إقامتهم والانتقال إلى مناطق متجانسة طائفيا أو مذهبيا أو الرحيل (الهجرة) إلى الخارج وتحديدا سورية والأردن.

لماذا قررت إدارة بوش اجتياح العراق؟ سؤال لايزال قيد البحث وينتظر إجابة واضحة. وكل ما صدر عن واشنطن مجموعة فرضيات تأسست على معلومات خاطئة أو تخمينات استندت إلى مصادر كاذبة وتبين لاحقا وبعد «خراب البصرة» أنها غير صحيحة.

كل ما صدر عن واشنطن خلال السنوات الأربع الماضية كرر المعلومات نفسها وهي قامت في مجموعها على فرضيتين: الأولى أن نظام صدام حسين ينتج أسلحة دمار شامل تهدد الأمن العالمي واستقرار دول الجوار. والثانية أن النظام أقام علاقات سرية مع تنظيم «القاعدة» الذي اتهم بالوقوف وراء هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

بناء على الفرضيتين قررت واشنطن غزو العراق ومعاقبة نظام على أفعال تبين لاحقا أنها غير صحيحة. فعمليات التفتيش التي جرت بعد الاحتلال كشفت عدم وجود تلك المصانع أو المؤسسات التي تنتج سلاح الدمار. كذلك كشفت الأوراق والوثائق التي صودرت من قصور الرئاسة والوزارات ومراكز حزب البعث والمواقع العسكرية والمخابراتية عدم شبهة اتصال بين أتباع الرئيس و «القاعدة».

هذه هي الأسباب الرسمية المعلنة التي تذرعت بها إدارة بوش لتبرير الحرب على العراق وكسب موافقة الكونغرس على تمويلها وتموينها. كذلك اختلقت المؤسسات الإعلامية الأميركية (الحرة والموجهة) الأخبار والقصص لتضخيم الدوافع التي تقف وراء اتخاذ مثل هذا القرار الخطير والمدمر. فإدارة بوش كانت تحتاج إلى غطاء شعبي يعطي واشنطن الإذن بارتكاب ذاك العدوان. وهذا السماح الشعبي لا يمكن أن تدركه إدارة تيار «المحافظين الجدد» إذا لم تنجح أجهزة الدعاية في تبرير «عدالة» الحرب وتصوير بلاد الرافدين للرأي العام ودافع الضرائب والناخب بأنها تحولت إلى مرتع للشر أو موقع يسهل أفعال الأشرار ويغذي أعمالهم.

من يراجع الأرشيف في تلك الفترة التي مهدت للعدوان يكتشف بسهولة حملة الافتراءات وحفلة الأكاذيب وسياسة الخداع والاحتيال والنفاق التي لجأت إليها الإدارة الشريرة لتبرير الغزو واختراع الأعذار لتغطية الحرب.

بعد حصول الاحتلال وتقويض الدولة وبعثرة أجهزتها وتحطيم مؤسساتها وحرق معاهدها ونهب متاحفها أخذت الإدارة الشريرة تسرب الأعذار وتكشف عن أسباب أخرى. فالرئيس بوش الذي أعلن لاحقا انتهاء فترة الحرب بدأ يبحث عن عناصر جديدة بعدما كشفت عمليات التفتيش عن خلاء بلاد الرافدين من سلاح الدمار أو شبكات الإرهاب. ووجدت الإدارة له مجموعة دوافع اعتمدت فرضية مكيافيلي عن «الغاية تبرر الوسيلة». فالغاية من الحرب كانت شريفة برأي واشنطن، ولأنها كذلك لا بأس إذا من اختراع الوسائل حتى تتوصل الولايات المتحدة إلى تحقيق الأهداف النبيلة.

بدأ بوش بعد الفوز العسكري الساحق والسريع على نظام صدام يطلق تصريحات تتضمن الكثير من الوعود لأبناء العراق ودول الجوار. وهكذا انهالت على بلاد الرافدين والمنطقة العربية والإسلامية سلسلة أفكار لا تنقطع تحدثت عن الإصلاح والتطوير والتحديث والتنمية والتوزيع العادل للثروة وتمكين المرأة وإيجاد فرص عمل وفتح آفاق الأمل لشعوب المنطقة ومستقبلها.

جاء كلام بوش ليغطي تلك الأسباب الكاذبة ويعطي الناس جرعة تسكين لشراء السكوت وكسب الوقت. الإدارة آنذاك كانت تراهن على الزمن ولم تفكر لحظة بالفشل وحصول الفوضى وبدء مقاومة سرية ضد الاحتلال. وكان في ظن الإدارة أن العراق من البلدان الغنية بالثروات الطبيعية والبشرية وهي تشكل مادة حيوية لإعادة تنشيط الاقتصاد وتنظيم الدولة وبناء نموذج متقدم تحتذي به شعوب المنطقة. والاحتذاء برأي بوش آنذاك يعني أن الحال العراقية ستمتد إلى خارج حدوده وستؤدي إلى تفجير انتفاضات «ديمقراطية» تطالب بالحرية والعدالة والمساواة وتداول السلطة. وبالتالي فإن المنطقة كلها ستتغير وسيعاد تشكيل خريطتها السياسية والجغرافية حتى تتناسب مع التحولات والمتغيرات.

بعد فترة زمنية انكشفت من جديد تلك الأكاذيب وانفضحت الوعود وجرت في العراق أنهار الدماء والقتل والتفجير والتفخيخ والسلب والنهب والسرقة والفوضى العارمة. ولم تقتصر الكوارث في إطار حدود العراق السياسية بل أخذت تمتد وتهدد المنطقة بعدم الاستقرار والفوضى والتقويض.

هذا التطور أملى على إدارة بوش تعديل لهجتها واختلاق أعذار جديدة تبرر الفشل. وهكذا انتقل الرئيس الأميركي إلى اعتماد نص جديد مغاير لكل ما قاله عن وعود تنعش الأفكار والأحلام. وأخذت الإدارة تكيل السباب والشتائم لدول الجوار العربية والمسلمة متهمة إياها بأنها تقف وراء الفوضى وأعمال العنف وأنها تنظم الخلايا وتدربها وتمولها وترسلها إلى بلاد الرافدين لإفشال خطة إعادة الإعمار وبناء ديمقراطية نموذجية في منطقة «الشرق الأوسط». وبناء على هذه الاتهامات المختلقة والأعذار الجديدة أخذت واشنطن تهدد دول الجوار بالحروب والاجتياح وتغيير الأنظمة أو تعديل سلوكها إذا لم توقف دعمها للإرهاب وتنصاع للأوامر والاملاءات الأميركية.

أرشيف الحرب

العودة إلى الأرشيف تكشف تفصيلات المراحل وتنعش الذاكرة وتوضح صور تقلّب المواقف الأميركية وسياسات واشنطن. ففي كل فترة هناك لغة تعتمد لهجة معينة. قبل العدوان ركزت الإدارة على «سلاح الدمار» و «القاعدة». بعد العدوان ركزت على «الغاية تبرر الوسيلة» وان الوقت يتكفل بتوضيح السلوك في اعتبار أن النتائج الجيدة تعطي ذريعة للمقدمات السيئة. بعدها انتقلت الإدارة إلى سياسة نشر الوعود وبناء دولة حديثة ومعاصرة تشكل جاذبية ثقافية وأخلاقية لشعوب المنطقة. وبعدها انتقلت إدارة تيار «المحافظين الجدد» من سياسة الوعد إلى سياسة تهديد دول الجوار بالتقويض والتغيير وتعديل الأنظمة والخرائط.

أربعة نصوص في أربع سنوات. وفي كل فترة تجتهد واشنطن في اختراع الذرائع وتبرير الأسباب وتحميل العالم مسئولية الفشل وانهيار العراق وانفراط عقد دولته وتفكيكها إلى دويلات طوائف تهدد بلاد الرافدين ومحيطها بالفوضى الشاملة والاقتتال الأهلي. وحتى الآن لاتزال إدارة بوش تراهن على الوقت وترفض الإقرار بالنتائج المدمرة والاعتراف بالخطأ الأصلي وتصر على مواصلة سياسات التحطيم والابتزاز. ويترافق هذا العناد مع الإعلان عن مخاوف مفترضة تملي على واشنطن عدم الاستعداد للانسحاب بذرائع شتى منها أن خروج الاحتلال من بلاد الرافدين سيؤدي إلى انهيار شامل وحروب حدود ومشكلات دائمة وتقسيم العراق إلى «فيدراليات مذاهب».

مرت أمس الذكرى الرابعة لاجتياح بغداد وحتى اليوم لاتزال إدارة بوش تخفي الحقائق وترفض كشف الأسباب الحقيقية التي دفعت واشنطن لاتخاذ قرار الغزو والسطو. فهل فعلا خدع تيار «المحافظين الجدد» بالمعلومات الكاذبة والخاطئة؟ وهل فعلا كان الهدف من اجتياح العراق إنقاذ الشعب من النظام الاستبدادي وبناء دولة عادلة وراقية في تعاملها الأخلاقي والدستوري مع الناس؟ وهل فعلا خططت واشنطن لبناء نموذج «ديمقراطي» يحتذى من المحيط الجغرافي وشعوب المنطقة المجاورة والبعيدة؟ وهل فعلا أن إدارة «البنتاغون» وشبكة المخابرات الأميركية التي تبلغ موازنتها اليومية أكثر من مليار دولار لا تعرف طبيعة المنطقة الجغرافية ولا تملك معلومات عن تضاريسها الاجتماعية والأبنية الأهلية الطائفية والمذهبية والمناطقية؟ وهل فعلا أن أسوأ إدارة عرفتها واشنطن في تاريخها المعاصر كانت حسنة النية وأرادت أن تساعد شعوب المنطقة على التقدم والرقي ودخول العولمة والعصر الحديث؟ وهل فعلا أن بوش والمجموعة الرديئة التي أحاطت به والشبكات الايديولوجية التي حبكت خيوط المؤامرة والحرب اندهشت بالنتائج أم هي قررتها وخططت لها منذ البدء مستخدمة البيت الأبيض وسيلة لهذه الغاية ومستفيدة من غضب الرئيس الذي انفجر بعد هجمات سبتمبر؟

أسئلة النجاح والفشل تحتاج إلى وقت لإضاءة النور وكشف الظلام الذي يحيط بالكثير من الزوايا. حتى الآن إدارة بوش تكذب ولا تقول الصدق عن الدوافع والأسباب الحقيقية التي بررت اتخاذ قرار الحرب. فواشنطن لا تذكر شيئا عن مؤسسات التصنيع العسكري ولا شركات الطاقة ولا عن أمن النفط وثروة العراق وموقعه الاستراتيجي ولا عن أمن «إسرائيل» ومصلحتها في استمرار سياسة التقويض والتفكيك في بلاد الرافدين ودول الجوار. فهذه الأسباب وغيرها هي من الأمور المسكوت عنها وتحتاج إلى وقت لكشفها. وحين تكشف بوضوح يمكن آنذاك أن نعيد القراءة للإجابة عن سؤال: هل فشل بوش في حروبه أم نجح؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1677 - الإثنين 09 أبريل 2007م الموافق 21 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً