يبدو أن بلداننا الإسلامية تتجه نحو «الطلبنة»، بدلا من الحلم الذي كان يتحدث عنه آخرون بشأن «الدمقرطة». فحركة «طالبان» التي اعتقد الكثيرون أن أميركا سحقتها قبل أربع أو خمس سنوات بدأت تعود في أفغانستان، بل إنها تتوسع في باكستان إلى الدرجة التي نقل قبل أيام عن الرئيس الباكستاني برويز مشرف تصريحات هدد فيها رجال دين قالوا إنهم يسعون إلى إقامة محكمة إسلامية في «إسلام آباد» كتعبير عن مقدار انتشار «الطلبنة» في تلك المنطقة.
الحديث عن انتشار تأثير طلبة المدارس الدينية لا يقتصر على باكستان وأفغانستان، بل إنه في كثير من البلدان، وفي العراق الآن لا يمكن تحريك العملية السياسية من دون الأخذ في الاعتبار ما يقوله بعض رجال الدين الذين يمتلكون الاتباع... وفي الصومال دخلت قوات إثيوبية مدعومة دوليا لسحق طلبة العلوم الدينية الذين أنشأوا محاكم وسيطروا بسرعة، والآن هناك احتمال عودة تأثيرهم حتى بعد الضربات العسكرية التي وجهت إليهم.
«الدمقرطة» تحتاج إلى مؤسسات وإلى حريات متطورة وإلى ممارسات تقوم على المشاركة في صنع القرار بصورة فعلية وليست صورية، ولأن هذا لا يتوافر في بلدان منطقتنا، فإن الفراغ يفسح المجال لحركة مملوءة بالحماس لا ترى أمامها إلا اللونين: الأسود والأبيض، واللون الأسود هو كل شيء لا يقره طلاب العلوم الدينية في مدارسهم وحلقاتهم.
وفي عموده يوم الأحد الماضي، كتب عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط» عن حوار دار مع أحد الدبلوماسيين الأميركيين، وأن الأميركي أشار إلى أن حكومة عربية حذرت أميركا من الدفع باتجاه الديمقراطية لأن الإسلاميين سيتسلمون الحكم... وكان رد الأميركي بأن هذا التحذير مطروح منذ عشرين سنة والأميركان لم يتدخلوا للدفع باتجاه الديمقراطية، ولكن الوضع لم يتحسن... ويخلص الراشد إلى أن أنظمة المنطقة استخدمت الخشية من وصول الإسلاميين إلى الحكم كـفزاعة لإبعاد الإصلاحات، وأنها (أي الأنظمة) سعت أيضا إلى خلق ديمقراطيات مزورة، وهذا كله منع تأسيس هياكل سياسية تعبر عن القوى الداخلية وتخفف من الاحتقان.
استنتاج مشابه وصلت إليه أيضا مجلة «الايكونوميست» الشهر الماضي، عندما قالت إن سلطة الأنظمة العربية ازدادت مركزيتها في السنوات الأخيرة، وإن التشويهات المحيطة ببعض النقاط المضيئة هنا وهناك قللت من فاعلية الإصلاحات التي كان يؤمل منها أن تنطلق بصورة أكثر إشراقا.
الخيار الصعب الذي يواجه منطقتنا ليس وصول الإسلاميين، وإنما تضييع الفرص المتاحة لتنمية البيئة السياسية والاقتصادية بما يؤهلنا أن نعيش في عالم يحترمنا. فنحن نرى أن الدول التي تحترم شعوبها هي الدول نفسها ذات التأثير الأكبر في العالم، والدول التي تحتقر شعوبها وتخطط ضد الناس وتخوف القوى الخارجية من مجتمعها هي الأقل احتراما والأقل تأثيرا... إن «طلبنة» البيئة السياسية هنا وهناك هو العقاب التاريخي لمنع «الدمقرطة»... والأمل في الاعتبار من كل ما يمر أمام أعيننا.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1677 - الإثنين 09 أبريل 2007م الموافق 21 ربيع الاول 1428هـ