هل فكّر أحدنا فيما يمكن أن تكون عليه مطالب «الفئات الخاصة»؟ هل تتصوّرون مطالبَ فئة الصم مثلا؟ أو مشكلات فئة قصار القامة؟ عادة ما نمرّ على هذه الفئات من دون أن نتوقف، على حين يطول وقوفنا أمام المشكلات ذات الصبغة السياسية التي يضج بها البلد، وعلى رأسها البطالة والتجنيس والتمييز والإقصاء الممنهج والتضييق على الحريات العامة... إلخ من هموم ومشكلات سياسية.
قبل شهر ونصف الشهر تقريبا عُقِدَ اجتماعٌ بمركز النعيم الثقافي، جمع أعضاء جمعية الصم الأهلية (تحت التأسيس)، وربع منتسبيها من غير الصم، وهؤلاء يشاركون في إدارة الجمعية بحكم الخبرة والقدرة على التواصل مع المؤسسات الرسمية، وهو ما يفتقر إليه الصم الذين يطالبون بوجود شخص يجيد لغة الإشارة في وزارتي «العمل» و«التنمية الاجتماعية»، لكونهما الأكثر ارتباطا بقضاياهم. وهم يشكون سوء المعاملة في الوزارتين، وهنا أقوم بدور الناقل، وعلى الوزارتين تدارك أي أخطاء من موظفيها في تعاملهم مع هذه الفئة المحرومة من النطق.
الصم - ونكرّرها للمرة الألف - ليسوا معاقين ولا متخلفين عقليا. هؤلاء أشخاص طبيعيون تنقصهم فقط حاسة واحدة (السمع)، أدّت إلى تعطيل القدرة على النطق. وهم يعانون من ارتفاع نسبة البطالة بمعدل أكبر من غيرهم، مع أن من حصل على فرصة للعمل أثبت وجوده وكفاءته. ومن خلال المعاينة، تراهم على درجةٍ كبيرةٍ من الانضباط والمثابرة، ويؤسفك أن تسمع قصص معاناتهم للحصول على وظيفةٍ على رغم مؤهلاتهم الدراسية. ويؤسفك أكثر معاناتهم في مساعيهم للارتباط بـ «بنت الحلال»، فالبنت ستضع نفسها في مواجهةٍ ساخنةٍ مع أهلها ومع صديقاتها ومع محيطها الاجتماعي في حال قبلت الارتباط بشابٍ أصمَ. وهذا الواقع الاجتماعي يكرّس عزلة الصم، ويفرض عليهم الارتباط بزوجاتٍ من الفئة نفسها، وهو ما يرفع من نسبة احتمالات الإصابة وتوريث المشكلة إلى الجيل التالي، حيث الكلمة الأكبر هنا لقوانين الوراثة التي توصل إليها «مندل».
الصم لهم طموحاتٌ كغيرهم من الفئات، من ذلك مثلا تأسيس موقع خاص بهم على شبكة الإنترنت، وكان موقع منطقة النعيم يقوم بتغطية فعالياتهم فيما سبق. وكثيرٌ منهم يتواصلون عبر الإنترنت أو الرسائل الهاتفية، وبعضهم يقوم بتصميم أعمال بالحاسوب، كما أن الموهوبين منهم يرسمون لوحاتٍ فنية معبّرة، وغيرها من أعمال المهارات.
في البحرين، ليست الصورة قاتمة، فهناك جوانب مضيئة رسميا وأهليا، ونحن نطمح إلى البناء عليها والاستزادة منها في سبيل إنصاف هذه الفئة الخاصة من المحرومين. منيرة بن هندي طالبت في مجلس الشورى بتخصيص ترجمةٍ للصم، وقد طالب بعضهم بذكر نوع الإعاقة في البطاقة الالكتروينة الجديدة على أن تذكر كلمة «أصم» بدل «معاق». وبعضهم طالب بوضع إشارة «الأذن» في بطاقاتهم الشخصية للدلالة على نوع مشكلتهم لتسهيل التعامل معهم لدى مراجعتهم المؤسسات الرسمية. كما أن لديهم طلبا صغيرا من الحوزات الدينية، أو المؤسسات المشابهة، يتمثل في تخصيص حصة أو حصتين أسبوعيا لتعليمهم المسائل الفقهية التي يحتاجون إليها.
في البحرين، وفي الجانب المضيء أيضا، هناك اثنان من الشباب الصم حققا فوزا في مسابقةٍ لتحفيظ القرآن الكريم على مستوى دول الخليج، ولعل الكثير من الأسئلة ستتبادر إلى أذهان القراء عن هذه القضية، صوفي مقدمتها السؤال البدهي: كيف يحفظون القرآن وهم لا ينطقون؟ وهو موضوع يصلح لتحقيق صحافي، نتمنى ألاّ يسبقنا إليه أحدٌ من الزملاء أو الزميلات!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1676 - الأحد 08 أبريل 2007م الموافق 20 ربيع الاول 1428هـ