كان الحديث يوم أمس عن كيف نشأ الاصطدام بين فكرة «الخلافة/الحاكمية/الولاية» وفكرة «الدولة القومية الحديثة»، وطرح السؤال عن امكانية انتهاج الإسلاميين مبدأ التعددية و النشاط داخل المجتمع المدني ضمن اطار نظام سياسي معين.
وللابتعاد عن الحساسيات فيما يتعلق بوضعنا المحلي، فسألجأ إلى أنموذج بعيد... وذلك هو أنموذج الدكتور كليم صديقي في بريطانيا، وهو الذي توفي العام 1996. كليم صديقي لم يكن شيعيا، ولكنه وجد في تأسيس نظام إسلامي في إيران على أساس مبدأ ولاية الفقيه قريب جدا من جذوره الفكرية... فهو كان عضوا في «حركة الخلافة» في باكستان، وكان قد هاجر إلى لندن ودرس الاقتصاد ثم الدكتوراه في العلاقات الدولية، وأسس «المعهد الإسلامي» الذي كان يحصل على تمويل من بعض السعوديين، وكان الهدف منه تطوير الفكر السياسي الإسلامي. انتصرت الثورة في إيران، ووجد كليم صديقي أن جزءا كبيرا من آماله وتطلعاته قد تحققت، وضحى بما كان لديه من علاقات، وأعلن تأييده للإمام الخميني، واعتبره أنموذج القائد الذي ينفذ المفاهيم الإسلامية الجذرية. ترفع كليم صديقي على الطائفية، وبدأ بإصدار صحيفة شهرية باللغة الانجليزية باسم «الهلال» للتنظير لـ «الحركة الإسلامية العالمية»، وكان متحدثا لبقا ومعروفا جدا في الأوساط الإعلامية البريطانية.
قبل كل ذلك، وفي 1976 طرح صديقي في أحد كتبه فكرة أن السيادة الإسلامية (الحاكمية/ الولاية) ليست لها «حدود جغرافية»، وأنها لا تعترف بالدولة القومية الحديثة، وعليه لم يكن مستغربا منه أن يبادر إلى تأسيس مؤسسة ليس لها شبيه في العالم، وأطلق عليها اسم «البرلمان الإسلامي» وذلك العام 1989. «البرلمان الإسلامي» تشكل من أنصار كليم صديقي في عدد من المدن البريطانية، واعتبر صديقي أن «البرلمان الإسلامي» له صلاحية مناقشة شئون الإسلام والمسلمين في أي بقعة من «ديار الإسلام»، وأن يتخذ قرارات، وأن ينفذ ما يستطيع تنفيذه.
توفي صديقي في 1996، واختلف أصحابه من بعده على تراثه الذي تركه في «المعهد الإسلامي» و «البرلمان الإسلامي» وصحيفة «الهلال» الشهرية، وأدى الخلاف إلى اضمحلال تلك الحركة التي لم يبقَ منها سوى الأسماء. وجدير بالذكر انه عندما توفي كليم صديقي، كانت حركة أخرى تؤمن أيضا بالخلافة - ولكن بأسلوب مختلف - تسيطر على كثير من الجمعيات الإسلامية الطلابية في بريطانيا، وتلك الحركة كان يديرها أنصار «حزب التحرير»، الذين شكلوا أكبر تحدٍ لكل الحركات الرئيسية آنذاك. ولكن تجارب «الحاكمية/الخلافة» وصلت الى طريق مسدود.
بعد ذلك، بدأ الإسلاميون يفكرون في تنشيط مؤسسات تعمل بنهج «تعددي» يتلاءم مع «الدولة القومية الحديثة»، وعليه أسس عدد غير قليل من النشطاء الإسلاميين «المجلس الإسلامي البريطاني» في 1997، وهؤلاء آمنوا بضرورة العمل من «داخل النظام» لخدمة المصالح الإسلامية، ودخلت في تشكيلته الاتجاهات الإسلامية الرئيسية، وأصبح للمجلس نفوذ وحضور مؤثر على الساحة البريطانية (الرسمية والأهلية) بشكل ملموس، وبأسلوب لم يتحقق للمسلمين من قبل.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1676 - الأحد 08 أبريل 2007م الموافق 20 ربيع الاول 1428هـ