عبدالوهاب المسيري، صاحب أكبر موسوعةٍ عربيةٍ معاصرةٍ كتبت عن اليهود واليهودية والصهيونية، بلغةٍ أكاديميةٍ تخصصية. كان من أوائل من درس اللغة العبرية في فترة المد القومي الناصري، وخرج من دراساته المعمّقة بهذه الموسوعة الضخمة في سبع مجلدات، بعد أن عكف عليها عشرين عاما.
علميا، يحمل المسيري ليسانس أدب إنجليزي من جامعة الاسكندرية، وماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة كولومبيا الأميركية، ودكتوراه في الأدب الإنجليزي والأميركي والمقارن من جامعة رتجرز الأميركية، إضافة إلى عمله مستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية في الأمم المتحدة. كما عمل مدرّسا في جامعة عين شمس، وجامعة الملك سعود، وجامعة الكويت، وأستاذا زائرا بجامعة ماليزيا الإسلامية بكوالالامبور، وعضو مجلس الأمناء بجامعة العلوم الإسلامية والإجتماعية في ليسبرج بولاية فيرجينيا. وهو إلى ذلك مستشار تحرير عددٍ من الحَوْليات التي تصدر في مصر وماليزيا وإيران وفرنسا وبريطانيا وأميركا، وحاصل على الكثير من الجوائز الدولية.
هذا العالم الكبير، وهو بالمناسبة منسّق عام حركة «كفاية» المعارضة في مصر، كان ينوي الأسبوع قبل الماضي عقد ندوةٍ يتناول فيها موضوع «النكات المصرية» بالتحليل العلمي، فقامت قوات الأمن بمنعه، فاضطر إلى عقدها على رصيف أحد الشوارع!
عندما قابله أحد المذيعين، سأله عن رأيه فيما جرى، فأرجع ذلك إلى حال الخوف الشديد من أيّ نوعٍ من الحركة التي من شأنها زيادة الوعي لدى الجماهير، فالمطلوب أن يعمّ الجهل وتطبق الغيوم السوداء لتكتم على الأنفاس.
قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر أخيرا، أصدر بيانا بدأه بالعبارة التالية: «إن مصرنا العزيزة في خطر»، وقال فيه «إن النظام لم يكتف بكل الكوارث التي أنزلها -على مصر- على مدى ربع قرن، فبعد بيع مقدرات البلاد وتشريد العمال، وبعد رهن ثروات الوطن لعقود قادمة... نجده يقوم بهجمة شرسة ضد الديمقراطية وضربا لكل المكتسبات الموجودة في الدستور الحالي... تحت اسم التعديلات الدستورية، من أجل توريث الحكم وكأن مصر عزبة تباع وتورث».
المسيري، المثقف والمفكر العروبي الملتزم، في ندائه «لكل شرفاء الوطن، للتحرك الجماعي من أجل تغيير سلمي يجنب البلاد مخاطر الفوضى والعنف بمواجهة ما يحدث دفاعا عن مصرنا ومستقبل أولادنا... تعبيرا عن كل القيم الجميلة الباقية في هذا الوطن والتي لا يمكن بيعها».
وهو في معرض تعريفه بمنهجه، يوضح أنه لا يتعرّض إلى أي حاكم عربي أو أي شخص آخر بالاسم، وإنما للمواقف والسياسات. فالنكتة الشعبية، وأحيانا الكتابة النقدية الساخرة التي لا يفهمها بعض المسئولين ويسيء فهمها بعض القراء، إنّما تلعب دورا مهما في التنفيس عن مشاعر الاحتقان، وتعبّر عن خلجات المواطن المستضعف، وتمثل النبض الحقيقي للشارع، وفوق ذلك تبلور الحال السياسية التي يعيشها كل شعب، من دون مكياج أو عمليات تمويه إعلامي أو نفاق سياسي يجيده الكثير من المتسلقين.
إذا... العالِم والمفكر السياسي الملتزم بقضايا شعبه وأمته، الذي كتب موسوعة ضخمة عن اليهودية والصهيونية، وأصبحت مرجعا علميا للباحثين، منعه النظام العربي «الديمقراطي» من عقد ندوةٍ علميةٍ لتحليل «النكات المصرية»... فاضطر إلى عقدها على الرصيف!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ