وثمة أسباب عدة جعلت الهند مركزا لصناعة تكنولوجيا المعلومات العالمية. فتمتلك الهند قوى عاملة متعلمة تعليما عاليا مع وجود مليوني خريج جامعي في السنة يتحدث جميعهم اللغة الإنجليزية. ولديها خطوط اتصالية دولية ممتازة لتبادل المعلومات فضلا عن تزود المدن الرئيسية بخدمة الإنترنت ذات الجودة العالية. أما متوسط أجور العمال المهنيين في تكنولوجيا المعلومات تتراوح بين ربع وعشر أجور نظرائهم في اوروبا والولايات المتحدة الأميركية. غير أن صناعة خدمات تكنولوجيا المعلومات لم تعرف التطور إلا عندما فتحت الحكومة اقتصاد بلادها في مطلع التسعينات أمام قوى العولمة وأنهت الضوابط المحلية وخففت من القيود أمام الاستثمارات الأجنبية. كما عمدت الحكومة في سعيها لتحقيق النمو إلى التركيز على قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات الموجه للتصدير عن طريق تقديم تسهيلات له.
مستقبل واعد ذلك الذي ينتظر مجالا جديدا من المجالات السياحية في الهند، وهو مجال السياحة العلاجية. فقد قامت صحيفة «آسيا تايمز» برصد جوانب ذلك المجال الجديد، ومستقبله في السنوات المقبلة، وتحول الهند بصفة خاصة تجاه هذا المجال، وطالما كانت الهند مصدر جذب للسائحين بسبب آثارها الرائعة ومناظرها الطبيعية الخلابة وثقافتها الغنية المتنوعة، ولكنها اليوم تأمل في جذب المزيد من السائحين في مجال السياحة الطبية.
من جانبه، يؤكد اتحاد الصناعات الهندية أن الهند لديها إمكانات استقبال أكثر من مليون سائح في مجال السياحة العلاجية سنويا، وقد صدرت دراسة عن هذا الإتحاد تفيد بأن السياحة العلاجية يمكن أن تدخل إلى خزينة الاقتصاد الهندي مبلغا يصل إلى 5 مليارات دولار سنويا إذا ما أصبح ذلك الحلم حقيقة.
وعلى النقيض من الاقتصادات الأكثر نضجا فإن سوق الملكية الخاصة في الهند، تمتاز بعدد كبير نسبيا من الصفقات صغيرة القيمة، فالمستثمرون يركزون على فرص النمو الرأسمالي، بدلا من عمليات الشراء المعززة، ولقد بلغ متوسط حجم الصفقة في الهند ما بين 2003 - 2005(21 مليون دولار) مقارنة بـ 66 مليون دولار في الصين و163 مليون دولار في كوريا الجنوبية.
ومن الخصائص المميزة للاقتصاد الهندي أيضا، هو أن الصناديق الاستثمارية، على العكس عما كان الحال عليه في انتعاشات سابقة في النمو الاقتصادي للبلاد، قد وضعت الريف الهندي في سلم أولوياتها. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، وأحدثها، شركة «اكومن»، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها. وتتعامل في الملكية الخاصة، التي استثمرت مليار دولار هذا العام في «درشتي» التي تزود خدمات الرعاية الصحية، والتربوية، والحكومة الالكترونية في ألف قرية.
هذه الحالة الاقتصادية الهندية الواعدة تنبئ بأن المسافة بين المركز الأمامي الذي حققته أميركا في مجال التكنولوجيا وبين دول كالبرازيل والصين والهند، والأقاليم الاقتصادية الرئيسية من العالم النامي ستتقلص. فخلال الـ 25 عاما المقبلة سيكون اقتصاد الصين أضخم من اقتصاد الولايات المتحدة ـ وقد يفوقه بمقدار 50 في المئة مع حلول العام 2050. والهند الأكثر فقرا من الصين في متوسط الدخل، ستتمكن هي أيضا من تضييق الفجوة الحالية في الثروة بينها وبين الولايات المتحدة. فبحلول العام 2050 سيبلغ اقتصاد الهند حجم اقتصاد أميركا، بتعداد سكان يصل أربعة أمثال تعداد سكان أميركا، ومتوسط دخل يبلغ ربع متوسط الدخل لدى أميركا تقريبا. ومن الطبيعي أن يؤدي ضيق الفجوة الاقتصادية إلى تقليص القوة السياسية الجغرافية النسبية لأميركا. إذ ستبدأ الصين والهند اللتان تمثلان سويا 40 في المئة من تعداد سكان العالم في ممارسة أدوار أكبر على الساحة العالمية. إن ردود الفعل الحالية المعادية للأجانب التي باتت تنتشر في الولايات المتحدة، والتي جاءت نتيجة لانتقال الوظائف والأعمال في مجال هندسة البرمجيات إلى الهند ـ وهي قضية سياسية ساخنة في الولايات المتحدة ـ تعكس القلق الضمني الذي يعاني منه سكان الولايات المتحدة الذين يريدون أن يظلوا في مقدمة الاقتصاد العالمي. وسواء رضيت سياسة الحماية الأميركية أو أبت، فإن طاقات الإنتاج الآسيوية ومعدلات دخولها من مجالات التكنولوجيا ستنمو. وسيكون في هذا خير للعالم، لأن الرخاء سيكون أوسع انتشارا، حتى لو تعرض غرور أميركا وأنانيتها للأذى والآلام في غمار هذه العملية.
وكل المؤشرات تدل على ان الهند تسير في طريق تودع فيه الفقر مهما طالت هذه الطريق أم قصرت.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ