العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ

6 أبريل مضى... والملفات تنتظر

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مرَّ موعد 6 أبريل/ نيسان على خير. فالتوقعات التي حذر منها الجانب الروسي لم تحصل. وتلك الضربة الأميركية الجوية - الصاروخية للمواقع الإيرانية التي أشارت إليها المصادر الروسية لم تقع. هناك خطأ إذا في المعلومات أو في الحسابات أو في تقدير الموقف. وربما تحديد الموعد جرى عن قصد للتخويف أو لاختبار النوايا أوجس نبض لموازين القوى وردود الفعل. كل الاحتمالات واردة منها أن تكون واشنطن قررت الاستغناء عن العملية العسكرية واكتفت بسياسة التهويل بها بهدف الابتزاز أو زرع القلق وإثارة التوتر في المنطقة وثم اتهام قيادة طهران بالمسئولية. ومنها أيضا أن تكون واشنطن قررت تأجيل الضربة إلى موعد آخر يتناسب مع حسابات الرئيس جورج بوش الداخلية والإقليمية والدولية. الموعد ربما لم يحن وقته لذلك لجأت إدارة واشنطن إلى التسويف والمماطلة وشراء المزيد من الأيام حتى تستنفد كل الوسائل الأخرى السياسية والدبلوماسية.

كل الاحتمالات واردة في اعتبار أن ملفات «الشرق الأوسط» الساخنة لم تقفل. ومادامت الملفات مفتوحة فمعنى ذلك أن التوقعات ستبقى مشرعة على ترجيحات سلبية وإيجابية. الملف النووي الإيراني لم يقفل. والملف الفلسطيني لم يجد طريقه إلى الحل. كذلك الملف السوداني فهو قابل للتصعيد أو التجميد. أما الملف اللبناني فهو الأكثر حساسية ويرجح أن تشكل أوراقه المتنوعة ذاك المجال السياسي للحراك الدولي والإقليمي. تضاف إلى هذه الملفات المتقلبة والثابتة والدائمة مجموعة نقاط حارة على رأسها موضوع العراق وتداعياته الأهلية والإقليمية وأبعاده الممتدة إلى أفغانستان وتنظيم «القاعدة» ومستقبل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.

المنطقة إذا أمام مواعيد و «الشرق الأوسط» ستشهد ساحاته مجموعة استحقاقات خطيرة على المستويين الدولي والإقليمي في الشهور القليلة المقبلة. مثلا كيف ستتعامل واشنطن مع الملف النووي الإيراني؟ هل ستوافق على مسألة التخصيب السلمي وإذا وافقت ما هي الشروط وما هو المقابل؟ أيضا إذا قرر بوش الانسحاب من العراق لمن ستكون السلطة ومن سيكون صاحب القرار الأول؟ وماذا عن التداعيات والانفعالات والاحتمالات؟ وكيف ستكون شخصية العراق في المستقبل؟ وما هو دوره وموقعه وعلاقاته وتكويناته الداخلية؟

المسألة الفلسطينية إلى أين ستتجه؟ نحو التجميد أم التسخين أم التدويل أم التعديل وغيرها من أسئلة تتصل بالمبدأ العام وما يتفرع عنه من تفصيلات خطيرة كموضوعات الجولان والقدس والعودة وقيام دولة ذات سيادة. كذلك إقليم دارفور في السودان سيشهد بالضرورة تحولات نحو إبقاء الوضع على حاله أم تفجيره من الداخل أم احتواء تداعياته تحت سقف منظومة تتشارك في تشكيل ألوانها وحدات تتألف من الاتحاد الإفريقي والدول العربية بإشراف الأمم المتحدة.

لبنان أيضا إلى أين سيتجه؟ هذا الموضوع الشائك والمعقد كيف سيتم الاتفاق على وضع الحلول لملفاته المدولة؟ هناك موضوعات الجنوب والقوات الدولية والأسرى والمرتفعات المحتلة. وهناك موضوعات المحكمة الدولية والعلاقات اللبنانية - السورية وترسيم الحدود. وهناك موضوعات تشكيل الحكومة وتنظيم السلاح وانتخابات رئاسة الجمهورية التي أخذ موعدها يقترب.

كل الملفات إذا قابلة للانفجار ومعرضة للتداول وهي لاتزال حتى الآن تشكل مساحة للحوار أو المواجهات الداخلية والإقليمية والدولية. لذلك فإن المنطقة مقبلة على استحقاقات ومواعيد أخرى لا تتناسب أحيانا مع قراءات متسرعة للتطورات والاحتمالات.

مرَّ موعد 6 أبريل على خير، ولكن الأسئلة بشأن الملفات الساخنة لاتزال مطروحة على بساط البحث أو على ساحات المواجهة. فكيف يمكن توقع الحلول نظريا وقبل حصولها ميدانيا؟

مواعيد واستحقاقات

الملف النووي الإيراني لايزال يحتل مركز صدارة الأولويات الدولية، فهو يأتي على رأس القائمة. الولايات المتحدة ليست حرة في هذا الملف ومواقفها محكومة ومكبلة بالسقف الدولي ولا تستطيع أخذ القرارات الخاصة والمستقلة بشأنه إلا إذا قررت اتباع سياسة مخالفة للإجماع العام كما حصل معها خلال افتعالها أزمة العراق في العام 2003. مشكلة بوش الآن أن ظروفه الداخلية تبدلت والمناخات الدولية تغيرت والاستعدادات الإقليمية لمواجهة كل الاحتمالات أصبحت أكثر جاهزية من تلك التي كانت موجودة خلال فترة غزو العراق وتقويضه. أي خطوة تريدها إدارة بوش يجب أن تكون مدروسة بدقة في اعتبار أن الملف الإيراني ليس مشكلة أميركية خاصة وإنما مسألة دولية عامة. وهذا الجديد في الموضوع يشكل نقطة ضغط على السلوك الأميركي ويعطل على بوش الكثير من المغامرات العسكرية.

الملف العراقي يحتل مركز صدارة الأولويات الأميركية، فهو يأتي على رأس قائمة بوش. فالحرب على العراق استنفدت كما يبدو أغراضها الداخلية ولم تعد تحظى بالاحترام والشعبية وأخذت تهدد مستقبل الحزب الجمهوري السياسي. ولكل هذه الاعتبارات لا يستبعد أن تلجأ إدارة واشنطن إلى قرارات متسرعة نتيجة الضغط النفسي الذي يتعرض له يوميا رئيس البيت الأبيض. وفي هذا المجال تعتبر الولايات المتحدة حرة في التعامل مع ملفها العراقي. فهذا الملف إلى حد ما خاص بها ويمكنها أن تتعاطى معه بالطريقة التي تناسب مصالح بوش. الإدارة الأميركية في موضوع العراق تختلف عن الإدارة الأميركية في موضوع إيران. فالأول غير مكبل وغير محكوم بالسقف الدولي ويستطيع بوش أن يتخذ بشأنه القرار الذي يناسبه، فهو يستطيع الانسحاب أو البقاء أو التموضع أو إعادة الانتشار أو إعادة الاحتلال أو التجميع أو الهروب إلى الأمام. أما الثاني فهو محكوم ومكبل بالسقف الدولي وبوش ليس حرا في اتخاذ الخطوات الخاصة بشأنه.

الملف الفلسطيني يشكل مركز صدارة الأولويات للمشروع العربي والنظام الإقليمي لذلك تعتبر أوراقه متداخلة بين المزمن والجديد، القديم والمستجد، الموروث والطارئ. وبسبب هذا التعقيد الزمني والسياسي تعتبر المسألة الفلسطينية عربية بامتياز كما هو موضوع «إسرائيل» أميركي بامتياز. ويشكل هذا التقابل العربي - الأميركي نقطة قلق قد تتطور في لحظة زمنية إلى حال توتر يقلب الكثير من التحالفات والمعادلات. وفي هذا المعنى لا تستطيع إدارة بوش التصرف بأسلوب عشوائي في مسألة حساسة من هذا النوع. فواشنطن الجمهورية أو الديمقراطية لها حساباتها الداخلية الخاصة في التعامل مع أمن «إسرائيل» في وقت تملك الدول العربية الكثير من أوراق الضغط للدفاع عن مصالحها وأمنها القومي واستقرارها الإقليمي. وبسبب مجموع هذه الاعتبارات يتركب الملف الفلسطيني من مجموعة أوراق دولية وأميركية وعربية وإقليمية وأي تسوية له يجب أن تكون عامة وتشمل كل الزوايا وتأخذ في الاعتبار توازن المصالح لمختلف الأطراف المباشرة وغير المباشرة.

يبقى الملف اللبناني وهو الأصعب في الشهور المقبلة لأن أوراقه تتضمن من بعيد أو قريب كل تلك النقاط الساخنة والحساسة. فالساحة اللبنانية مفتوحة ومكشوفة وطوائفها ممتدة إقليميا وتملك حساسيات مفرطة وتتأثر بسرعة في المحيط والمناخات المجاورة أو البعيدة. لذلك فالملف مدوَّل في مختلف ميادينه ومحكوم بدوره بسلسلة حلقات وحسابات دقيقة وحساسة تتصل بالقضية الفلسطينية من جهة وعلاقات الجوار من جهة أخرى. ولأن الحلقات ليست محلية في تصنيعها أو تدويرها أو إنتاجها فإن تقلبات الطقس في لبنان تتحكم بها مجموعة عوامل سياسية تمتد من إيران والعراق ولا تنتهي في غزة. وبحكم هذا الوضع المعقد والمركب يمكن أن يتحول لبنان إلى ساحة تسوية تعوض القوى الإقليمية خسائرها من خلال كسب بعض النفوذ أو المواقع في جباله وسهوله.

الملفات المتداولة في مسرح «الشرق الأوسط» لاتزال على حالها ولم تدخل بعد سياق الحل. ولكن احتمالات التسوية واردة دوليا في إيران وأميركيا في العراق بينما ترجيحات تجميد الأزمات (وربما تفجيرها) لاتزال واردة في فلسطين ولبنان. فالملف الإيراني النووي يمكن احتواء عناصره التفجيرية، والملف العراقي يمكن ترتيبه بالانسحاب أو توزيع الحصص... بينما الملف الفلسطيني لايزال في طور التجاذب الأميركي - العربي ويحتاج إلى وقت طويل لمعالجته. يبقى الملف اللبناني وهو الوحيد القابل للتفاوض أو المقايضة أو التجميد أو التفجير أو العودة إلى إنتاج صفقات سابقة. وكل هذه الاحتمالات مطروحة في القريب العاجل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً