العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ

«الحاكمية» و«التعددية»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في 1908 قامت جمعية الاتحاد والترقي (الحزب التركي القومي) بالانقلاب على السلطان عبدالحميد الثاني، ولكن قبيل أن يحدث ذلك الانقلاب كان السلطان قد أعلن نفسه «خليفة للمسلمين»، وحصل على دعم مسلمين في مناطق عدة، لاسيما في الهند، ومن هناك بدأت الخلافات بين مفهوم الدولة القومية الحديثة ومفهوم الخلافة، ما أدى في النهاية إلى قيام كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة العثمانية في 1924 وتأسيس الجمهورية التركية، وتغيير الحروف العربية في اللغة التركية إلى اللاتينية ومنع الأذان باللغة العربية وفرض التقاليد الغربية في مسألة اللبس.

بعد ذلك مباشرة، بدأت النهضة الإسلامية الحديثة، وأهمها تأسيس «الإخوان المسلمين» في مصر العام 1928، وهو الحزب الإسلامي الذي قال إن طريق العودة إلى الحكم الإسلامي يجب أن يبدأ بمرحلة «تربية وإعداد المجتمع».

في الوقت نفسه الذي بدأت تكبر فيه جماعة الإخوان، كانت أكبر جماعة في الحركة الإسلامية الهندية تنمو آنذاك على يد أبوالأعلى المودودي الذي طرح مفهوم «الحاكمية»، بمعنى أن الحكم يجب أن يستمد من الشريعة الإسلامية فقط، وأن الحاكم يجب أن يمثل الإرادة الإلهية في المجتمع، وهو لا يخضع لإرادة المجتمع، بل العكس، لأن المجتمع يجب أن يخضع لإرادة الله التي يترجمها الشخص الذي تتمثل فيه «الحاكمية».

وفي الستينات من القرن الماضي طوّر أحد قادة الإخوان المسلمين، وهو سيد قطب، مفهوم «الحاكمية»، وأعطى تنظيرا موسعا للمفهوم، وخلص إلى أن هناك فصلا تاما بين المجتمع الجاهلي والمجتمع الإسلامي، والاثنان لا يتعايشان، وأن «الحاكمية» تعني أن المجتمع الذي يرفض حكم الشريعة الإسلامية ينتقل إلى العصر الجاهلي. سيد قطب أيضا كان أول من شن هجوما على ما أسماه قبل نحو خمسة عقود بـ «الإسلام الأميركاني» الذي يحاول تمييع الدين، وذلك قبل أن يظهر المصطلح في إيران لاحقا (بعد 1979).

في الستينات أيضا، كان الإمام الخميني قد انتفض في إيران، وبعد رحيله إلى النجف الأشرف ألّف كتابه الشهير «الحكومة الإسلامية» الذي طرح فيه نظرية «ولاية الفقيه»، وهي النسخة الشيعية لمفهوم «الحاكمية». مرشد الجمهورية الإسلامية الحالي السيدعلي الخامنئي كان من الذين يترجمون كتابات سيد قطب إلى الفارسية، وتأثير مفهوم «الحاكمية» واضح جدا.

أيديولوجية «الحاكمية» التي سيطرت على تفكير الحركات الإسلامية الرئيسية دفعت باتجاه تبني الإطار التنظيمي الشمولي، وهو الذي يعتبر «تعددية» العمل السياسي «مضيعة للوقت»، تماما كما اعتبرت ذلك الدول الاشتراكية الصارمة التي حرمت التعددية السياسية. وعليه، فإن الإسلاميين - عندما تسلموا الحكم - كان صعبا عليهم أن يتنازلوا عن مفهوم «الحاكمية». لكن الأزمات التي عصف بالبلدان الإسلامية في العقدين الماضيين دفعت باتجاه تنظير إسلامي جديد يدعو إلى التعددية والمجتمع المدني، وهو اتجاه مازال ضعيفا، على رغم أن من بين رواده الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ راشد الغنوشي والسيدمحمد خاتمي.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1675 - السبت 07 أبريل 2007م الموافق 19 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً