في قاعة واحدة، مساحتها متوسطة، مقاعدها مرتبة وأنيقة وإضاءتها متميزة، يجتمع في يومين منفصلين من كل أسبوع، أعضاء مجلس النواب، وأعضاء مجلس الشورى.
في قاعة البرلمان العتيدة تلك حيث تطبخ القوانين وتقوم الدنيا ولا تقعد أحيانا، يداوم «بعض» من الثمانين عضوا على حضور الجلستين المتتاليتين للمجلس، كل بحسب مجلسه... الإثنين للشورى، والثلثاء للنواب، في جلسات تنتهي بحلول الظهر أحيانا، وأخرى لا تنتهي إلا في وقت متأخر عصرا.
لكل مجلس من المجلسين خصائصه التي تختلف عن المجلس الآخر، ليس في الصلاحيات والآليات فحسب، وإنما في «مزاجه العام» ومزاج أعضائه وخصائصهم «الشخصية»، التي تطبع كل مجلس بطابعه الخاص. فعلى رغم أن القاعة واحدة، وعدد الأعضاء الحاضرين - تقريبا - واحد، والنظام المتبع غالبا واحد، فإن الجلستين مختلفتان تماما، ويمكنك بنظرة واحدة أن تعرف أي الجلستين هذه.
ففي يوم الإثنين، لا يمكنك أن تتوقع كم يمكن أن تدوم جلسة «الشورى»، مهما كان طول جدول الأعمال أو قصره، فربما يفتح أي من بنود الجدول شهية أحد أو كل الأعضاء للنقاش «بمناسبة أو من غير مناسبة». ولا تختلف هذه النقطة كثيرا في اليوم التالي لدى النواب، فكثيرا ما فتحوا باب النقاش «من غير مناسبة»، ولكنك على الأقل يمكن أن تتوقع إجمالا الأمورَ التي يمكن أن تثير شهيتهم للنقاش، ببساطة لأن كل عضو منهم يتسابق لنشر وجهات نظره قبل وبعد وأثناء الجلسة.
ولو شبهنا كلا الجلستين بمقطوعة موسيقية، لوجدنا أن جلسة «الشورى» مقطوعة كلاسيكية «قاتلة»، إيقاعها بطيء جدا، ونوتاتها الموسيقية منخفضة لا تعلو إلا نادرا، بل كثيرا ما تزداد في الانخفاض. تعكس كل ذلك أصوات هادئة ومداخلات «باردة»، لا تعدو كونها «جدلا بيزنطيا» في كثير من الأحيان. أما جلسة «النواب» فهي «أوركسترا» خاصة تعزف على كل الآلات وبكل الألحان في كل الأوقات، ولا يمكنك أن تلتقط أنفاسك وأنت تستمع إليها، فمن «الطبول» إلى «الكمان» إلى «الفلوت»، وكلما انتقل المجلس من بند إلى آخر في جدول أعماله، تنقلت الأوركسترا بين نوتاتها الموسيقية التي نادرا ما تناغمت ألحانها. وعلى عكس أصوات أعضاء «الشورى» الهادئة، لا تسمع في مجلس النواب غالبا إلا أصواتا عالية، إذ إن غالبية الأعضاء يصرخون «بمناسبة ومن غير مناسبة»، فجميعهم يريد أن يقنع ناخبيه بأنه كفء للمنصب الذي حصل عليه، وأنه يدافع باستماتة عن حقوقهم، وباختصار أن ينتخبوه من جديد.
ولو ابتعدنا عن أصوات أعضاء المجلسين وركزنا على ما يقولونه، لوجدنا اختلافات أخرى يمكن أن تضيف الكثير إلى قائمة مقارنتنا. ففي «الشورى» يمكنك غالبا أن تستمع إلى مداخلات ذات لغة موزونة، أحاديث منطقية وأساليب «راقية» في عرض وجهات النظر، ينبع ذلك طبعا من المستوى التعليمي المرتفع لمعظم أعضاء هذا المجلس. أما في مجلس النواب، فأنت ببساطة تستمع إلى حديث «الشارع» الذي يختلط في أحيان كثيرة بالشتائم. وعلى رغم التفاوت في المستويات التعليمية والثقافية بين أعضاء هذا المجلس، فإن عددا محدودا فقط من أعضائه يمكنهم تقديم مداخلة بأسلوب ولغة «راقيين»، على حين لا تتجاوز مهمة الكثيرين منهم «التهريج».
غير أن مجلس الشورى يتفوق على «النواب» في عدد الأعضاء «الصامتين» على مقاعده، والذين لا يغير حضورهم أو غيابهم عن الجلسة شيئا. بل إن عدد مرات تغيبهم عن الجلسات - في مهمات رسمية خارج البحرين - يفوق عدد مرات حضورهم. وغالبيتهم يجلسون في المقاعد الخلفية من المجلس، مستسلما للملل والنعاس وتبادل الأوراق مع المجاورين له، حتى تنتهي الجلسة.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ