العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ

المحرق تستعيد إشعاعها الثقافي

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

المحرق مدينة التاريخ القديم وفقا لمدلول اسمها الذي يرتبط بمراحل من تاريخ المنطقة ما قبل الإسلام، وكذلك وفقا لما تحتضنه المحرق من آثار. فقلعة عراد بناها البرتغاليون أواخر القرن الخامس عشر كحصن من حصونهم العسكرية. وفي مطلع القرن التاسع عشر بنى العمانيون المرحلة الأخيرة من القلعة واستخدموها مركزا لحكمهم وقيادتهم العسكرية. وقلعة بوماهر كانت منشأة عسكرية لحماية الجزيرة أثناء الاحتلال البرتغالي في القرن السادس عشر وفي العام 1840 أعاد الشيخ عبدالله بن أحمد الفاتح بناءها. ويرتبط تأسيس المحرق كمدينة ذات أهمية عمرانية ومركز سياسي وتجاري بقدوم الشيخ عبدالله بن أحمد الفاتح واستقراره بها العام 1796. ومنذ ذلك الحين تكرّست المحرق عاصمة للبحرين وجذبت الكثير من القبائل والعوائل والحرفيين لاستيطانها وسميت أحياؤها بأسمائهم.

ثم كانت فترة الازدهار والاستقرار الثانية لمدينة المحرق في عهد الشيخ عيسى بن علي (1869-1932) إذ ازدهرت المدينة كمركز اقتصادي وتجاري كبير، وأصبحت تمثل القوة الأساسية في صيد اللؤلؤ وتجارته على مستوى جزر البحرين. وعلى امتداد قرن ونصف رسّخت المحرق تراثا أصيلا من الثقافة المميزة ذات العلاقة بسبل الحياة من مهن وحرف ومن مأكل ومشرب وملبس، ومن أنماط العلاقات الاجتماعية والأسرية والأخلاق والعادات والتقاليد. وترافق مع ذلك ازدهار المدينة كمنارة للعلوم والآداب والفنون بجميع أنواعها. وشُيدت بالمحرق صروح للثقافة لعبت دورا مهما في رفعة شأن البحرين وتعزيز تحضرها. لقد اهتم أهل المحرق بالعلم قبل أن تتجه الجهود الرسمية نحو تأسيس التعليم النظامي الحكومي. فقد بدأوا بمدارس أهلية لحفظ القرآن والتعليم الديني للجنسين تلاها مدارس نظامية أهلية أسهمت في محو الأمية وخرّجت الكتبة والمحاسبين الذين تحتاجهم مهنة الغوص وتجارته.

وكان أول صرح ثقافي تأسس في المحرق مطلع القرن العشرين هو مجلس الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة (1850-1933) الذي شكّل منتدى أدبيا وفكريا يؤمه مثقفو المحرق وزوارها. ويعود لهذا المجلس الفضل في نشر الثقافة والمطبوعات الثقافية والفكرية وفي تواصل مثقفي وأدباء البحرين مع زملائهم من البلدان العربية. وبرز في تلك الفترة عدد من أدباء المحرق كشيخ الأدباء صاحب المجلس الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة والشيخ محمد بن عيسى الخليفة والشاعر عبدالرحمن المعاودة وأحمد الشيراوي وغيرهم. وللمجلس دور في التأسيس المبكر للتعليم النظامي الأهلي، ومنه أيضا انطلقت فكرة إنشاء أول ناد أدبي في المحرق. وقد تأسس النادي الأدبي العام 1920 وأسهم في تأسيسه رجالات المحرق والشباب من مثقفيها وأدبائها وكان أبرزهم رائد الصحافة عبدالله الزايد. واستمر النادي يؤدي هو الآخر دورا تنويريا في المدينة حتى قررت السلطات البريطانية إغلاقه العام 1936. وعلى اثر ذلك باشر أبناء المحرق مساعيهم لإنشاء ناد آخر فأسسوا نادي البحرين في العام ذاته. وتميز نشاط نادي البحرين بالمزج بين النشاط الثقافي والأدبي مع النشاط الرياضي والترفيهي. وكان له الفضل في التأسيس للحركة المسرحية البحرينية فخلال الأربعينات المنصرمة مُثلت على مسرح النادي الكثير من المسرحيات الشعرية مثل قيس وليلى وقيس ولبنى وكليوباترا والولاّدة وغيرها. وبرز هنا دور شاعر البحرين عبدالرحمن المعاودة تأليفا وتمثيلا وإخراجا.

وتوفرت المحرق -آنذاك- على متاجر بيع الكتب وعلى مكتبات للقراءة كالمكتبة الخليفية ومكتبة المركز الثقافي البريطاني. كما كانت المدينة تعج بالأسواق المتنوعة، ومختلف الحرف والصناعات اليدوية المحلية وصناعات الأغذية الشعبية. وألحقت بالأسواق المقاهي التي تصدح بها أغاني الغوص واِلأغاني الشعبية وتجتمع فيها كل المستويات الاجتماعية من تجار اللؤلؤ إلى الحرفيين إلى البحارة والغاصة. أما الأحياء فقد تميزت بالساحات المفتوحة (البرايح) التي يلتقي فيها الناس وتقام فيها الاحتفالات في الأعياد والمناسبات. وتعددت بالمدينة دور الفن الشعبي وكانت أشهرها دار بلال ودار الخضاري ودار البسيتين وغيرها. وفي مطلع الخمسينات افتتحت سينما المحرق وجذبت الكثير من الرواد وتوفر بها - منذ ذلك الحين- مكان مخصص للنساء، ولعبت السينما دورا تنويريا ملفتا بين سكان المدينة.

الدور الثقافي والتنويري الذي لعبته المؤسسات الثقافية والأدبية وشخصيات المحرق أفرز وعيا ثقافيا وسياسيا عاما بين سكان المدينة كان من نتائجه انتشار الرفض العام للاحتلال البريطاني وتصاعد المواجهة الشعبية معه. ذلك مما دعا السلطات البريطانية لمنع كثير من الفعاليات والأنشطة الوطنية والثقافية بما فيها الأدبية والفنية. وأصبح منع الأنشطة الثقافية والفكرية سمة غالبة على التعاطي الرسمي مع تلك الفعاليات مما ترك أثرا سلبيا على الحراك الثقافي بالمحرق. ومنذ الخمسينات دخولا في الستينات الفائتة فما بعدها أخذ يتناقص ويخبو شيئا فشيئا الإشعاع الثقافي للمحرق، ودخلت معظم مؤسساتها الأهلية بياتا شتويا قسريا أخمد جذوة ثقافتها وحوّل معظم طاقتها نحو النشاط الرياضي أو الخيري وغابت المحرق ثقافيا أو غُيبت.

اليوم تمتد أيدٍ مخلصة لتعيد جذوة الثقافة للمحرق وتحيي الدور الرائد الذي لعبته المدينة في الحياة الثقافية على جزر البحرين على مدى ما يقارب القرنين من الزمن. اليوم تقوم الشيخة مي الخليفة الوكيل المساعد لقطاع الثقافة والتراث الوطني بوزارة الإعلام ومعها ثلة طيبة من المخلصات والمخلصين بإعادة الروح للمحرق الثقافية. لقد كان تدشين المشروع الثقافي الكبير مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة الذي تم افتتاحه مطلع العام 2002 في جزء من منزل شيخ أدباء البحرين في قلب المحرق هو بداية الانطلاقة. وحتى اليوم نظم المركز مواسم ثقافية زاخرة بالثقافة والفكر والفن داعيا أبرز المفكرين والمثقفين والفنانين على الصعيدين المحلي والعربي وقام بنشر الكثير من الإصدارات الفكرية والأدبية. لقد رددت أمسيات المركز الثقافية صدى تلك الأيام التي كان فيها مجلس الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة أهم تجمع فكري وأدبي في البحرين عموما. ومن المشروع الأم انطلقت الشيخة مي الخليفة وصحبتها لتدشين صروح الثقافة والفن في المحرق الواحد تلو الآخر. فعلى مبعدة بسيطة من المركز تم في خريف العام 2003 افتتاح بيت عبدالله الزايد رائد الصحافة البحرينية للمحافظة على تراث البحرين الصحافي وإحيائه. وفي صيف العام 2005 تم افتتاح بيت محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في منطقة الخليج العربي تحت مسمى بيت محمد بن فارس لفن الصوت الخليجي. تبعه افتتاح بيت اقرأ في منطقة البيوت التراثية المحيطة بمركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة كمكتبة للطفل، وبيت التراث المعماري الملاصق لبيت عبدالله الزايد في المنطقة ذاتها. وفي ربيع 2006 تم افتتاح المركز الثقافي البحريني الفرنسي - بيت جمشير.وأخيرا وضمن فعاليات ربيع الثقافة للعام الجاري تم افتتاح بيت الكورار شرقي بيت عبدالله الزايد بمنطقة البيوت التراثية بهدف إحياء حرفة تراثية كانت النساء يمارسنها، كما تمت إضاءة قلعة عراد فشّع نورها. ويبدو أن إشعاع المحرق الثقافي قد امتد فعلا خارج الجزيرة إذ افتتح في المنامة ربيع 2006 بيت شاعر البحرين الكبير إبراهيم العريض تحت مسمى بيت الشعر. ولا تنفك هذه الصروح الثقافية تحتضن الأنشطة الثقافية في موسم سنوي حافل تحت مظلة المشروع الأم مركز الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة.

لم يزل تراث المحرق الثقافي الغني في غير جانب يحتاج للعناية والإحياء. ما أجمل أن يتم ترميم وإحياء سوق القيصرية الشعبي ومنطقة الأسواق المحيطة به! وما أروع لو افتتح بيت للحرفيين يضم جميع الحرف التي اشتهرت بها المدينة! وأظن أن براحة بن غتم تحمل من الأهمية التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية ما يدعو لترميمها وإعادتها بما يماثل شكلها القديم خاصة وهي تمثل أهم مدخل لمنطقة البيوت التراثية بالمحرق. أحسب أن إحياء هذه المواقع سيستكمل إحياء التراث الثقافي للمحرق وسيسهم في جذب سياحي كبير للمدينة.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً