صفقة أم لا صفقة؟ سؤال ينتظر الجواب. والوقت يتكفل بتقديم الرد الواضح على مجموعة حوادث باتت أقرب إلى الألغاز. فمنذ استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وتعيين روبرت غيتس في المنصب تبدلت إلى حد ما الصورة الميدانية للتحركات العسكرية. فوزير الدفاع الجديد تلميذ شبكة مخابرات وهو يدير قوات الاحتلال بأسلوب مخابراتي لا يمت بصلة إلى نهج رامسفيلد العسكري. وهذا الاختلاف في السلوك الميداني بين رجل عسكري ورجل مخابرات يمكن قراءة الكثير من تفصيلاته في بعض التصرفات التي أقدمت عليها القوات الأميركية في تعاملها مع نفوذ دول الجوار في العراق. فالاحتلال لجأ إلى اتباع تكتيك المداهمات لمواقع إيرانية دبلوماسية أو تجارية واعتقال موظفين ومصادرة وثائق وأجهزة اتصال وكمبيوتر بذريعة كشف الشبكات والعناوين ومصادر التموين والتمويل.
هذه العقلية المخابراتية التي دشنها غيتس منذ تسلمه منصب وزارة الدفاع تلقي الضوء على ردود الفعل الإيرانية التي اقتصرت حتى الآن على إرسال أجوبة من المدرسة نفسها. وعملية احتجاز 15 بحارا في المياه الإقليمية في شط العرب تأتي في سياق تبادل حملات لا تخرج في نشاطها الميداني عن ذاك النهج المخابراتي الذي لجأ إليه غيتس منذ أن تولى مسئولية إدارة وزارة تشرف ميدانيا على الاحتلال.
إنها معركة مخابرات لذلك يسودها الغموض وتسيطر عليها الألغاز السياسية وأسئلة من نوع: صفقة أم لا صفقة؟.
بريطانيا تؤكد أنها لم تعتذر وهي ليست مستعدة لفتح قنوات اتصال دبلوماسية. وإيران تؤكد أنها تسلمت رسالة تشرح المسألة من لندن وبالتالي فهي حققت أهدافها السياسية من العملية. رئيس الحكومة البريطاني طوني بلير نفى وجود صفقة. ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش كرر الموقف نفسه مشيرا إلى أن واشنطن ليست بصدد مراجعة مطالبها أو أهدافها. فالرئيس المعزول داخليا جدد مطالبته طهران بضرورة التجاوب مع فقرات القرارين الدوليين 1737 و1747 التي تنص على وقف التخصيب وإلا تعرضت مصالحها للعقوبات والحصار. وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس تجنبت الحديث عن صفقة ولكنها لمحت إلى احتمال عقد لقاء مع وزير الخارجية الإيراني في الشهر المقبل لبحث بعض التفصيلات المتصلة بنجاح الخطة الأمنية في العراق، وهي الخطة التي ربط بوش مصيره بها.
مستقبل حزب بوش السياسي بات يرتبط بمدى نجاح تلك الخطة التي رصد لها المليارات وعززها بالقوات البرية ومجموعة خبراء يعتقدون أنهم يملكون المفاتيح السحرية التي تفتح أو تقفل أبواب بلاد الرافدين وممراتها ومسالكها وشعابها ودروبها ومداخلها ومخارجها.
مستقبل بوش وحزبه الجمهوري يرتهن الآن بمدى قدرة حكومة نوري المالكي، المدعومة بقوة من كتلة مقتدى الصدر، على مساعدته في إنجاح خطته الأمنية المخابراتية. كذلك يراهن على مدى استعداد دول الجوار، وتحديدا سورية وإيران، على تقديم المساعدات «المجانية» لإنجاح هذه الخطة. وبما أن بوش يعتمد على حكومة المالكي وطهران ودمشق لتسجيل ذاك النجاح العسكري الذي وعد الشعب الأميركي به خلال الشهور الستة المقبلة فيمكن القول من الآن إن خطة غيتس لن تصيب سوى المزيد من الفشل.
رئيس غبي
«اعذرونا. رئيسنا غبي». هذا الشعار رفعه بعض الناخبين إبان معركة الرئاسة التي جرت قبل سنتين في خريف 2004 وفاز بها بوش وجدد لنفسه ولاية ثانية. فعلا إنه غبي. والغباء ليس عيبا إذا اعترف صاحبه به. ولكن بوش غبي وصاحب مفارقات في قراءة تعقيدات السياسة، ويكابر ولا يعترف بالوقائع والتحولات والمتغيرات ويعاند العالم ويطالب من يتهمه بالإرهاب وتمويل شبكات «الشر» وتموينها بمساعدته في إنجاح خطته الأمنية وإنقاذه من كارثة سياسية انتخابية تنتظر حزبه بعد سنتين.
صفقة أم لا صفقة؟ هذا ليس السؤال. فالجواب الواضح أن خطة بوش ذاهبة نحو الفشل سواء نجح في تمرير موازنة الحرب أو لم ينجح أو نال تغطية من الكونغرس أم لم يحظَ بذاك «الشرف». الرئيس يطالب خصمه الديمقراطي بالدعم والمساعدة والتغطية المالية والدستورية والإعلامية ليعيد استخدام نجاحاته الأمنية في العراق ودول الجوار في معاركه الانتخابية الداخلية ويسجل للحزب الجمهوري ذاك «الانتصار» الموعود أو الموهوم. فعلا إنه رئيس غبي في سياساته الخارجية والداخلية. فهو يطالب قوى يتهمها بـ «الإرهاب» و «الشر» بمساعدته مجانا ومن دون مقابل لمحاربة شبكات «الإرهاب» و «الشر». ثم يطالب خصومه الديمقراطيين بتقديم العون والغطاء والدعم حتى يرفع شعبيته في الداخل الأميركي وينتقم من تلك الهزيمة النصفية التي تلقاها في الانتخابات التشريعية في دورة نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
«اعذرونا. رئيسنا غبي». هذا شعار رفعته الكثير من اللجان الانتخابية قبل سنتين ويرجح أن تتكاثر يافطات ترفع شعارات مشابهة بعد سنتين. فالرئيس بوش فعلا يمر في حالات من الانفصام الذهني والذهول والدهشة ولا يدرك معنى التحولات التي بدأت تظهر في آفاق السياسة الدولية وما تعكس من متغيرات في التحالفات الإقليمية في جوار العراق والميدانية في بلاد الرافدين. فهذا الرئيس الذي أوكل قيادة قوات الاحتلال لرجل مخابرات يعتقد حتى الآن أن فشله في العراق يعود لأسباب أمنية وبالتالي فإن معالجة المشكلة تتطلب بعض مداهمات واعتقالات ومصادرات للوثائق والأجهزة واحتجاز دبلوماسيين وتوجيه اتهامات لهم بالتجسس أو إدارة شبكات تمويل وتموين.
ما حصل بين إيران وبريطانيا في شط العرب منذ أسبوعين لا يخرج عن هذه الدائرة، دائرة «لوي الأذرع» بين قوات احتلال باتت على قاب قوسين من الانسحاب وقوى إقليمية صاحبة نفوذ سياسي وستبقى موجودة جغرافيا وبشريا في المنطقة. بريطانيا قوة مؤقتة وطارئة في العراق ومحيطه بينما إيران وغيرها من دول جوار فهي موجودة وباقية ولن تغادر المنطقة. وهذا الفارق بين المتغير والثابت يشكل لإدارة بوش - بلير ذاك الكابوس الذي يؤرق استراتيجية وصلت إلى نهايات مقفلة ويرجح أن تستمر في سياسة الفشل.
صفقة أم لا صفقة؟ هذا ليس المهم في الموضوع. فالوقت يتكفل بتقديم أجوبة بشأن الملف النووي ومصير الخطة الأمنية وموضوع الجولان ولبنان وفلسطين والسودان وغير ذلك من ملفات. المهم الآن أن إيران سجلت نقطة سياسية لمصلحتها وكسبت قيادة طهران ثقة جمهورها كذلك نجحت في رفع نسبة التعاطف مع فريق يرفض توسيع دائرة الحرب وفريق يحذر من وقوعها. الرسالة التي أرادت طهران توجيهها يرجح أنها وصلت. فهي مستعدة للتفاوض وأيضا غير خائفة من المواجهة العسكرية أو الملاحقات الاستخباراتية.
بوش نفى وجود صفقه وأصر على مواقفه السياسية. بلير أيضا نفى وجود صفقة أو تنازلات عن ملفات إقليمية. طهران لم تؤكد وجود صفقه وأصرت على تأكيد أن عملية الإفراج مجرد «هدية» بمناسبة عيدين المولد النبوي والفصح. ومحصلة المجموع العام تشير إلى تداعيات ليس بالضرورة أن تنتهي لمصلحة فريق فاق في قدراته على ممارسة سياسة «الغباء» كل الأوصاف.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ