العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ

دبلوماسية بلونِ الهاوية!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

في زمن «الشرق الأوسط الجديد» حيث اشتداد ساعد القطب الإمبريالي الأميركي الوحيد في عرينه الدولي الجديد، من المعقول والمنطقي أن تبرز «الدبلوماسية» العربية على مستوى المنطقة والعالم بصورة أقرب ما تكون إلى السقوط والانحدار، حينما يبرز عامل ترقية العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني واللجوء إلى الذراع الإمبريالية الصهيونية الوظيفية عند كل منعطف سياسي واستراتيجي ضروري أمرا حاسما ولا جدال فيه، وذلك بالنسبة إلى أنظمة غنيمة عربية راهنة لم تكن تجيد سوى المساومة بدرجات متنوعة وغير فارقة نوعيا!

فهي لا تمتلك منظومة دفاعية رادعة ومتطورة يُعتدّ بها، وذلك بالنسبة إلى المنطقة المكتوفة في خريطة الاستراتيجيا الدولي، عدا كونها لا تملك في غالبيتها العظمى سندا سياسيا شرعيا تعبويا تتم مراعاته أساسا، أو تمثل حتى قوة اقتصادية تكنولوجية منفردة أو بينية ذات كتلة متجانسة، وبالتالي أمر طبيعي أن يكون الأمر لأنظمة وأشباه أنظمة كهذه في عصر التحديات والرهانات الاستراتيجية الوجودية على فقدان السيادة القِطرية قبل أية سيادة إقليمية، وتشتت معاني الأمن القومي قِطريا وإقليميا نتيجة مقبولة ومتوقعة لو وجدت لدى «دول» أداتية مقاما وموقعا ومُجرى!

فهي - أي أنظمة الدول العربية - لم تكن في غالبيتها الساحقة لتتعامل أصلا مع الاقتصاد إلا وسيلة لتحقيق الإثراء والتراكم الرأسمالي الشخصي والفئوي والطائفي، ولأجل المساومة والمقايضة الاستثمارية في إطالة العمر الإنتاجي والقدرات الوظيفية لهذه الأنظمة، بدلا من أن يحقق «الاقتصاد» المعمول به هدفه المعرفي والعملي الأول، وهو الموازنة قدر الإمكان بين موارد محدودة وحاجات بشرية غير محدودة، كما هو مكتوب في أبسط وأرخص كتب علم الاقتصاد، فيكون لتلبية احتياجات «رعاياه» أو «مواطنيه» وتمكينهم معيشيا على الأقل!

كما أن هذه الدول والأنظمة الآيلة للتطبيع بقدر ما تنفقه من مبالغ تقديرية سنوية هائلة على شراء الأسلحة وتحقيق التسلح المتجدد والفاعل في صفقات كاتمة للسرية وبعيدة عن أعين أية رقابة محتملة تبدو من خلال وضعها الحالي أقرب ما تكون إلى استغلال هذه المنظومة في الردع الداخلي أكثر منه ردعا خارجيا غير منظور لقرن واحد من الزمن على الأقل!

وفي واقع يستقر فيه تأويل مفاهيم «الأمن القومي» و «الدفاع المشترك» باعتبارهما صياغات اصطلاحية مموهة لا تخدم سوى أمن الأنظمة الوظيفية الراهنة، ولا تصب إلا في صالح المسح على الكعبة الاستراتيجية والدفاعية المركزية للمنطقة ألا وهي الذراع الصهيونية الإمبريالية الوظيفية، فتكون بالتالي وظيفية ثانوية تخدم وظيفية عليا في سهول ومراعي خيرات نفطية وغذائية دولية مستباحة بأجندة ورغبات حيتان الرأسمالية العالمية الأنجلوساكسونية، ولا تجد شعوب المنطقة الحية ما تأكله سوى الخراب!

لذلك ينبغي لزاما لآخر الأفراد ومنظمات المجتمع المدني الحاملة لشعارات مناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني أن تفهم وتقدر مجددا تلك الاندفاعة الدبلوماسية الهائجة، ومساعي الهرولة المتطايرة نحو مؤتمرات وفنادق وشقق التطبيع مع الكيان الصهيوني، قبل إكمال أي نصاب، وإتمام أي استحقاقات تنموية متعددة ومتباينة!

وقبل الانتهاء من رسم خريطة تحالفات عربية بينية «محترمة» من ناحية القابلية للتطبيق العملي والتسوية، وقبل استرداد أي حقوق مغصوبة، سواءٌ أكانت حقوقا عقارية مؤجرة أم حقوقا إنسانية مؤجلة في غياهب غوانتنامو، وفي أحزمة السي آي أيه العالمية والعربية التي تختفي بمعتقليها من ذكر أية خريطة!

وبالتالي ما ينبغي فعله من قبل جميع النخب المؤمنة باسترداد الحق المغتصب في فلسطين، والمدركة لجرائم الكيان الصهيوني وحقيقة كينونته الاستراتيجية، هو السكوت احتراما ووقارا ورزانة دبلوماسية، لأية زيارات تقوم بها «لجنة أميركية يهودية» أو بالأحرى «صهيونية» تنظيرا وتنظيما وعتادا، وغيرها من لجان، ولأية زلات تصريحات دبلوماسية عابرة وغير عابرة خارجا، بدلا من أن ترعى المصالح القومية! ولتتهافت على الترحيب بالتطبيع مع الكيان الصهيوني قبل استرداد نصاب باقي الذات الوطنية والقومية!

ولا داعي أبدا للتعجب والاستغراب من زيارة أي مجرم حرب أو صهيوني فاشي ومعادٍ للسامية وما شابهها للمنامة أو الرياض أو بغداد أو المدينة المنورة، أو أن تجد مصادفة في يوم ما بأحد «لوبيات» الفنادق والمنتجعات من فئة النجوم الخمس ببلادنا شخصياتٍ ورموزا صهيونية عالمية عُرِفَ عنها تمسكها بمواقفها العنصرية والمتطرفة ضد أي وجود لتجمع أو كيان أو بهار عربي أو إسلامي في حواضر الغرب، فأمثال هؤلاء من أبناء آوى العهد الدولي والدبلوماسي الجديد مرحب بهم في بلادنا وحواضرنا متى ما حلوا عليها باعتبارهم من يحمل قارورة الدواء «التطبيعي» الناجع والفعال في إدامة العمر الإنتاجي، وتصحيح العافية الوظيفية لأنظمة الغنيمة العربية، على العكس من الترحيب بالأخ والشقيق القادم الموريتاني الديمقراطي الجديد الذي قد يؤدي دواؤه إلى الفتك بحياة تلك الأنظمة الوظيفية وتخريب أخلاقها، أو إفلات غنيمتها من بين أطرافها الهمجية، وزعزعة استقرارها على نحر المواطن العربي!

هذا الدواء أو «الباندول» التطبيعي البالغ المرارة لابد من تناوله وابتلاعه ليس بفتح الأيادي والأفواه فقط، وإنما حتى بفتح الكوامن والأواني الاقتصادية والسياسية والثقافية الاجتماعية في بازار الشرق الأوسط الجديد خضوعا إلى اشتراطات ووسائط دولية متنوعة ومتعددة معمول بها كرما للطبيب «الصهيوني» الزائر الذي قد ينجح بدوائه في إطالة عمر هذه الأنظمة الوظيفية!

فليحترم الجميع هذه الدبلوماسية الهائجة لأنظمة غنيمة آيلة نحو التطبيع، على رغم أنها لم تحترم يوما ما ذكاء رعاياها ومواطنيها والمتلقين لأحكام خطواتها واستجداءاتها، فمارست خلطا للمفاهيم بين «يهودي» و «صهيوني» و «أميركي» و «أوروبي» بدافع الحفاظ على المصلحة القومية، وذلك في زمن ثورة المفاهيم والمعلومات!

فما الذي توصلت إليه هذه الدبلوماسية «العبقرية»؟

إنها تطالب الآن جميع الشعوب والنخب الحقيقية والاصطناعية بممارسة الدعاء خلفها لإرشاد وهداية «إسرائيل» أو «بنت الرب»، فليرفعوا أيديهم مثنى وثلاث ورباع بالدعاء عسى أن ترزق «إسرائيل» بالبطانة الصالحة، وجليس الخير و «حامل المسك» الذي يهديها إلى مصلحتها وإلى مصلحة المنطقة أجمع!

ولا داعي أبدا لبناء قدرات دفاعية ذاتية أو تنموية داخلية تلغي الوجود الصهيوني الأصيل من خريطة المنطقة، فالقبول بحلول «الفاست فوود» الدبلوماسية هو عهدٌ لنا من قِبل دبلوماسية بلونِ الهاوية وواقعية أو وقوعية سياسية بلونِ التراب! وهو أمر طبيعي وفطري تعوّدته الشعوب العربية المهتوكة سيادة!

وهي دبلوماسية بلون الهاوية ووقوعية سياسية بلون التراب، وإن كانت هذه الوقوعية والدبلوماسية مجرد (دب... لوماسية) فائضة ومشحمة بروتوكوليا من فرط ما اختزنت من محاضر وأجندة مؤتمرات ومعاهدات وزيارات مكوكية وكونية، وبسكويت المؤتمرات!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً