نعبّر عن خشيتنا أن تكون الزيارات الأخيرة لمسئولين غربيين للبنان، إضافة إلى الزيارات التي تتصل بالأمم المتحدة، متحركة في النطاق الاستطلاعي أو التهويلي من دون أن تنطلق في إطار السعي إلى تلمّس الحلول في لبنان.
ويبدو أن الزيارات الأخيرة للبنان من قِبَل المسئولين الغربيين حتى ما يتصل منها بالأمم المتحدة، ليست في وارد السعي إلى تلمّس حلول للمسألة اللبنانية بقدر ما تتصل بممارسة المزيد من الضغوط على البلد الصغير بحجمه الكبير بما صنعه في مواجهة «إسرائيل»؛ لأن القضية لاتزال تتحرك في إطار إدخال لبنان أكثر نفق التدويل وجعله يتماشى أكثر مع المعالم الجديدة للمشروع الأميركي في المنطقة، الذي لايزال يراهن على إحداث تغيير استراتيجي بفعل تطورات دراماتيكية يحاول تحضير أجواء تهويلية وتمهيدية لها.
ثم إن على الذين يحملون الصفة التمثيلية للمجتمع اللبناني، سواءٌ أكانوا من النواب أم من الذين يتحمّلون المسئولية في المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية البارزة، أن يعبروا عن هذه الصفة فيما يتخذونه من مواقف وفيما يتحركون فيه على مختلف الأصعدة، لا أن تكون حركتهم ومواقفهم صدى لما يطلبه هذا المسئول الغربي أو ذاك؛ لأننا نلمس أن ثمة استماعا متزايدا لتهاويل غربية تأخذ عنوان النصائح وتتحول إلى مواقف تزيد الوضع اللبناني تعقيدا، وتأخذ البلد إلى المتاهات الدولية والإقليمية التي ستجمد حركته على مستوى الدولة والمستوى الاقتصادي وستدفع به إلى المزيد من التوترات السياسية المتصاعدة.
وندعو العرب إلى فهم المسألة الإسرائيلية جيدا؛ لأن «إسرائيل» لا تريد سلاما مع العرب، وتريد للفلسطينيين أن يخضعوا إلى شروطها التي تنزع منهم صفة الشعب من جهة، وتجعلهم يقبلون انتزاع القسم الأكبر من الضفة الغربية من جهة ثانية... وهي (إسرائيل) تطرح التطبيع مع العرب لتضغط من خلال اللجنة الرباعية الدولية التي تحولت إلى سلاح تستخدمه أميركا ضد الفلسطينيين لتمييع قضيتهم ودفعهم إلى تقديم تنازلات جديدة من دون أن تقوم الأمم المتحدة بالدور المطلوب منها؛ لأنها باتت تتحرك أكثر وفق «الأجندة» الأميركية ووفق الضغوط الأميركية التي تسعى إلى تحويلها إلى موقع من مواقع نفوذها ومنعها من القيام بدورها الأساسي في حماية السلم والأمن العالميين.
كما ندعو الشعب الأميركي إلى العمل سريعا على كبح جماح رئيسهم في المغامرات الجديدة التي قد يُقدم عليها؛ لأن ذلك قد يحرق مواقعَ متعددة في العالم، وقد يصيب الاقتصاد العالمي، إضافة إلى تأثيراته المدمّرة على منطقة الشرق الأوسط؛ لأن بوش الذي يتحرك بعقلية توراتية سيفتح جبهات عنف وإرهاب في كل اتجاه ما لم يتحرك المعنيون في الداخل الأميركي والعالم لوقف حفلات جنونه المتصاعدة. ونحذر من انزلاق مرجعيات دينية في لبنان إلى المستوى الذي يجعلها طرفا في السجالات السياسية الدائرة في لبنان؛ ما يخرجها عن دائرة الإطار الوطني الجامع المفترض؛ لأن ذلك من شأنه أن يكرّس الانقسام الحاصل ويدفع الوضع السياسي اللبناني إلى ذروة التأزيم الذي قد يفضي إلى انفجارات سياسية وغير سياسية يكون الوطن أضحية على مذبحها، كما يحوِّل المواطنين إلى حطب يتدفأ عليه من هم في الأبراج العاجية من سياسيين ورجال دين لا يتحركون بوحي مسئولياتهم الدينية والوطنية، بل يمثلون الصدى لإيحاءات خارجية وإن انطلقت مواقفهم تحت عناوين الحرص على المؤسسات الدستورية؛ لأن المشكلة في لبنان تتمثّل في سقوط مرجعيات في تفاصيل اللعبة السياسية الداخلية، حتى على مستوى الهوامش، في الوقت الذي تتحدث فيه عن أن لا دور لها خارج النطاق الإرشادي العام.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1673 - الخميس 05 أبريل 2007م الموافق 17 ربيع الاول 1428هـ