إلى صديقي المختطف ألن جونسون وخاطفيه...
ترددت كثيرا قبل كتابة هذه السطور، وقد كتبت وشطبت واعتقدت أنها لن تصل إلى ألن وهو لايزال في الأسر. منذ اللحظات الأولى، اعتقدت أن الخبر سيتبدد سريعا كما يتبدد ضباب الصيف، وأن ألن سيتصل بجميع أصدقائه ليخبرهم أنه قد وقع ضحية خطأ في التشخيص، وأنه قد تلقى اعتذارات وأنه سيغفر لخاطفيه قبل أن يرحل من غزة. ولكن كل هذا لم يحدث ولم تؤثر فيكم أيها الخاطفون كل الاعتصامات التي قام بها زملاء ألن من الصحافيين الفلسطينيين والأجانب، كما لم تتأثروا بروح الوحدة وأجواء التفاؤل التي تسود فلسطين.
قد يكون هذا الأسبوع هو الأول من نوعه خلال السنوات الماضية التي لم أسمع فيها صوتك يا عزيزي ألن تطلب تعليقا أو استفسارا عن الحوادث السياسية المهمة في فلسطين. كم أتمنى أن أعلم أنك بخير وأن لديك أقلاما وأوراقا وربما مسجلا، لأنني متأكد أنك ستمارس عملك حتى بين آسريك ومختطفيك.
عزيزي ألن،
ستغادر غزة وفلسطين بعد لحظات من الإفراج عنك قريبا بإذن الله، وعندها قد لا نراك أبدا. قد تقرر - ولك الحق- ألا تزور فلسطين بعد اليوم، قد تخاف وقد تتردد. ولكن على الرغم من كل ذلك أنا لا أزال متأكدا أنك تعلم جيدا أنه حتى أمهات وزوجات وأبناء خاطفيك لا يقبلون هذا العمل. أنت تعلم أن في غزة ما يستحق الاحترام على الرغم من هذه التجربة القاسية وأن أهل فلسطين لم يتربوا ولم يرضعوا إلا حليب الاحترام والتقدير لكل من يحل بينهم من ضيوف. وعلى الرغم من ذلك فإنك تستحق منا اعتذارا لا لبس فيه. نحن يا صديقنا نقف اليوم وأنت غائب لنسأل أنفسنا ألسنا مسئولون عما حل بك؟ لقد تحدثنا حول حوادث الخطف في غزة منذ الحادثة الأولى، وقمت أنا وغيري ممن نسمي أنفسنا بالمثقفين بالسخرية من أن هذه الحوادث لن تستمر ولن تمتد لتطال الجميع. ولكننا نقول اليوم أننا أخطأنا. هذه الحوادث يمكن أن تطالنا نحن كما طالتك، وهي لم تعد فردية وعشوائية. ولصمتنا الطويل أو لعملنا المتواضع علينا أن نتحمل النتائج.
نقول لك أخيرا، كم نتمنى ألا تكون هذه الرسالة ملائمة للنشر، وأن ترى النور وأن تطمئن أسرتك وزملائك في العمل قبل أن تمر رسالتي على مدير التحرير، وقبل أن يقرر قبولها. كم نتمنى! وألا يكون لهذه التجربة من حياتك يا ألن الجزء الأهم من الكتاب الذي حتما ستكتبه عن فلسطين وعن غزة بأهلها وشوارعها، أرضها وبحرها، مطاعمها، جمالها وقبحها...
أما للخاطفين فلن يكون حديثي طويلا، لن أكتب لكم أن ألن لا يستحق الخطف لأنه صحفي ينقل أخبار فلسطين! هو لا يستحق الخطف أولا وأخيرا لأنه إنسان، وأن هذا الأسلوب لا يلاءم التعامل مع البشر، مهما كانوا، أيا كانوا من أية جنسية ومهنة وعمر وجنس وانتماء وعقيدة. ولكنني أطلب منكم وبحق أن تعاملوا ألن باحترام قدمه لكل فلسطيني طوال فترة عمله في فلسطين. أن تنظروا إليه بتقدير لم يتردد في إبدائه لكل مواطن فلسطيني قابله. أتمنى أن تعلموا أنه ومهما كانت قضيتكم كبيرة في عيونكم فإن ما قمتم به أكثر قسوة على كل أبناء شعبكم وعلى قضيتكم. وأنه ومهما حققتم من هذا الخطف فإنكم الخاسرون منه في النهاية وعلى طول المدى. أتمنى عليكم أن تفيقوا وألا تترددوا في تحرير ألن دون البحث عن غطاء وقصة وحدوتة ومخرج وسلم. أتمنى عليكم ألا تنتظروا أكثر، وأن تراعوا أن الإنسان بين أيديكم هو رجل حر كريم، عمل بكل اجتهاد ومهنية، سأل الأسئلة الصعبة وقدم التقارير الموضوعية والمهنية، وهو لا يستحق هذه الاهانة التي هي بالأساس إهانة لكم ولي ولكل فلسطيني حرٍ شريف. أن تعلموا أن الإنسان بين أيدكم هو إنسان قبل أن يكون صحفيا وأن له أسرة وزملاء قلقون عليه وأن أقل ما يستحقه هو أن تطمئنوا كل هؤلاء عليه وعلى صحته ووضعه. أخيرا وعلى عكس العادة، كم أتمنى أن تتركوا الفخر والتقدير في تحرير ألن لكم أنتم وليس لسياسي «وقائد مزيف» هنا وآخر أكثر تزييفا هناك.
* مدير المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل وينشر المقال بالتعاون مع خدمةCommon Ground الإخبارية
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1673 - الخميس 05 أبريل 2007م الموافق 17 ربيع الاول 1428هـ