في مصادفة عابرة، التقينا أصدقاء قدم من دول مجلس التعاون الخليجي، ومر حديث سريع، لأن الأصدقاء كانوا ينتظرون دورهم لركوب الطائرة التي ستعود إلى وطنهم عبر البحرين...
من سؤال إلى سؤال، عرفنا أن أصغر الأصدقاء (وكان يبلغ من العمر 25 عاما) قد تزوج، والمهم من ذلك أن له منزلا لا يشابه منازل الإسكان في البحرين بأي شكل من الأشكال، لا من حيث الشكل ولا المساحة، والمهم أن الدولة ساهمت في بنائه بنسبة كبيرة، والسبب - بحسب ما يقول صاحب المنزل - أن الدولة ملزمة بتوفير السكن لكل المواطنين!
ماذا عن بقية الزملاء الذي وصلوا من العمر إلى 35 و34، وهؤلاء قد نسوا أنهم بحاجة إلى منزل أو سكن أو أرض، لأنهم حصلوا عليها منذ فترة طويلة كانت كفيلة بأن تنسيهم هذا المطلب! سألوا عن الأحوال، وعن منزل الأحلام وعن كل شيء، وجل ما حصلوا عليه من إجابة: الله كريم. مرت الساعات واقتربت لحظة رحيل الزملاء، ويبدو أن ردة فعل الإجابة على سؤالهم ستلازمهم طويلا!
يا ترى ما الفرق الجوهري بين أهالي البحرين وبقية الخليج، هل لديهم ذهب ينبع من الأرض أم أن السماء في بلدانهم تمطر نفطا؟! ولا أظن أن هناك أي مجنون يقر بأن خيرات البحرين لا تكفي لحفظ ماء وجوه البحرينيين، ولكن المشكلة في التخطيط المتخبط والنظرة الناقصة للمشروعات المستقبلية، والنتيجة الحتمية عدم وجود أراض لمشروعات الإسكان، ونمو المشروعات الاستثمارية على حسابها، ونسيان الاستثمار في العنصر البشري الذي يعتبر أهم عناصر الحياة، فمن دونه لن يكتب لأي مشروع النجاح، ولا يمكن أن نستعيض عن ذلك بالاستثمار بالأجانب أو عناصر أخرى، لأن عنصر الإنسان على أرض الوطن هو الذي سيرجح كفة النجاح.
المشكلة لم تعد في السكن، بل تجاوزتها إلى ضنك العيش الذي بدأ ينحى منحى آخر في حياة المواطنين، وهنا تقع مقارنة مجحفة بين مواطني البحرين ودول الخليج الأخرى، فبقية الدول لم تتأثر كثيرا بغلاء الأسعار، لا لأن الأسعار لم ترتفع في السلع الأساسية والكمالية، بل لأن الدخل الشهري للمواطنين هناك والزيادات المتواصلة والدعم الحكومي يجعل من الارتفاع في الأسعار أمرا عاديا جدا، على عكس ما يحدث للمواطن البحريني الذي يعتبر أي تحرك في الأسعار، ومهما قل، مؤثرا كبيرا على المعيشة، وخصوصا أن الراتب يبقى ثابتا لا تزحزحه أية كلمة أو تحرك!
فلو افترضنا أن بحرينيا يتسلم راتبا بمعدل 300 دينار، ويدفع إيجار شقة بمعدل 100 دينار، وفاتورة كهرباء وماء وهاتف بقيمة 30 دينارا كحد أدنى، فإن جل ما يتبقى من الراتب بعد التصفية الأولى 170 دينارا، وقبل ارتفاع المعيشة كان يصرف على العائلة بمعدل 50 دينارا للمطعم والمشرب... وفي ظل أسعار اليوم، فإن أكثر البحرينيين حرصا سيصرف ضعف المبلغ الذي كان يصرفه قبل أعوام، أي أن صاحبنا سيصرف 100 دينار على مئونة الشهر، ولن يتبقى من راتبه إلا 70 دينارا، ولنتصور أن هذه الـ (70) لبنزين السيارة ومصاريف العيال والزوجة... كان الله في عون هؤلاء «المطحونين».
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 2252 - الثلثاء 04 نوفمبر 2008م الموافق 05 ذي القعدة 1429هـ