العدد 2252 - الثلثاء 04 نوفمبر 2008م الموافق 05 ذي القعدة 1429هـ

من يفوز... التغيير أم العنصرية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

صباح اليوم سترتسم صورة الرئيس الأميركي المنتخب على شاشات التلفزة والفضائيات وسيتعرف العالم على شخصية الرجل الذي سيقود الإدارة في فترة السنوات الأربع المقبلة. الاستطلاعات حتى اللحظة تتوقع فوز المترشح الديمقراطي باراك حسين أوباما استنادا إلى إحصاءات متلاحقة جرت في الولايات المترددة بين المتنافسين.

الاستطلاعات تكون دقيقة عادة ولكنها ليست صادقة دائما لاعتبارات إنسانية تتدخل أحيانا في اللحظات الأخيرة وتقلب التوقعات باتجاهات مضادة. وانقلاب اللحظات الأخيرة مسألة محتملة وهذا ما يراهن عليه مترشح الحزب الجمهوري جون ماكين.

العنصرية هي «حصان طروادة» وهي الورقة الرابحة الوحيدة التي يراهن عليها معسكر ماكين لتغيير المعادلة، بينما كل الأوراق الأخرى تلعب لمصلحة فريق أوباما. وخطورة الورقة العنصرية لا تكتفي بالتخويف وإثارة الحساسيات وحفر الذاكرة والطرق على ذهنية اعتمدت نمطية ثقافية وإنما تراهن على كتلة تصويتية تتراوح نسبتها بين ولاية وأخرى. فهناك ولايات ترتفع فيها حرارة العنصرية إلى درجة تستطيع تعديل الفارق لمصلحة ماكين. وهناك ولايات لا تثق بالحزب الجمهوري ولكنها لم ترتفع إلى مستوى أن تتقبل رئيسا لا ينتمي إلى الكتلة البيضاء.

ورقة ماكين العنصرية قوية وقد تكون رابحة، إلا أنها ليست كافية لكسر التفوق الذي أحرزه أوباما على مختلف الأصعدة. فالأوراق التي يحملها الشاب الأسمر كثيرة وكلها تلعب لمصلحة ترجيح فوزه. وأهم تلك الأوراق أن الناخب الأميركي (دافع الضرائب) ضاق ذرعا بسياسة الرئيس جورج بوش وتهوره في القرارات وإصراره على ارتكاب الأخطاء. فالشارع عموما أصبح في مزاج نفسي مضاد لاستراتيجية الحزب الجمهوري التي أورثته مشكلات أمنية وسياسية ومالية وأنهكت قواه الصحية والتربوية والمعيشية وأفرغت خزينة دولته وهددت ودائعه وألحقت الخسائر بتلك الضمانات المتصلة بالشيخوخة والبطالة والتقاعد.

طبعا مزاج الشارع لا يكفي وإنما هناك البدائل وهي موجودة في برنامج أوباما باعتبار أن الحزب الديمقراطي وعد الجمهور الانتخابي بحزمة من الاقتراحات والحلول تجاوزت تلك التي طرحها ماكين في مشروعه البديل.

أفكار أوباما الواضحة لعبت دورها في تنسيق جدول أعماله. فهو كان أكثر صراحة حين تحدث بشجاعة عن ملف العراق وحدد فترة زمنية للانسحاب، بينما ماكين كان مضطربا وأطلق تصريحات متعارضة بشأن جدولة الانسحاب من بلاد الرافدين. وأوباما كان أوضح في موضوع مكافحة خلايا الإرهاب ومسألة أفغانستان والتعامل السياسي مع القوى الإقليمية في «الشرق الأوسط الكبير» بينما كانت خطة ماكين في هذه النقاط مبهمة وضائعة بين خيار الهجوم والتورط في مزيد من المواجهات وبين خيار الانسحاب وترتيب مواقع الولايات المتحدة في سياق مغاير لمرحلة سلفه. حتى تلك القضايا المتصلة بالعلاقات الدولية وأوروبا وروسيا والصين وإفريقيا وأميركا الجنوبية لم يستطع ماكين تقديم أجوبة أفضل من أوباما نظرا إلى ارتباطه المعنوي باستراتيجية حزبه الجمهوري وموقعه في دائرة المسئولية السياسية.

حاول ماكين مرارا الابتعاد عن حزبه، واجتهد في تمييز خطابه عن الرئيس بوش، وأعلن أكثر من مرة عن معارضته لتلك السياسات التي تتبعها إدارة البيت الأبيض، ووجه أحيانا انتقادات وملاحظات سلبية تناولت ملفات مختلفة على المستويين الخارجي والداخلي، ولكنه فشل في إقناع الجمهور بأنه الشخص المؤهل لتحمل مسئولية القرار لفترة أربع سنوات إضافية. فالناخب كان على قناعة بأن ماكين مهما حاول الابتعاد عن إدارة بوش لن يكون بعيدا عن الحزب الجمهوري وسياساته الاقتصادية والدولية. وبسبب هذا الارتباط البعيد تشكلت قناعة عند الجمهور الانتخابي بأن ماكين ليس الشخص المطلوب لتحقيق التغيير بينما أوباما هو شخصية مرغوبة ويمكن الاعتماد عليها لكسر حلقات الاستمرار ومنع التواصل أو التمديد لبرنامج مكلف في خطواته ومغامراته.

كل هذه الأوراق جاءت لتصب في مصلحة أوباما، وهي اجتمعت في لحظات زمنية قد لا تتكرر في محطات أخرى... وهذا ما أعطى الشاب الأسمر فرصة تاريخية للتقدم خارقا بذلك كل التوقعات والاحتمالات بما فيها نجاحه غير المنتظر في قطع الطريق أمام هيلاري كلينتون. حتى كلينتون تعامل معها الناخب الديمقراطي بوصفها تشكل صورة عن مرحلة سابقة بينما المطلوب هو التغيير.

معنى التغيير

مسألة «التغيير» تحتاج إلى قراءة حتى تتوضح إبعادها المختلطة بين الواقع والمتخيل. فالتغيير مطلوب ولكن ما هي حدوده وإلى أين سيقود أوباما أميركا في حال أعلن عن فوزه بالمنصب اليوم؟

إمكانات التغيير ليست سهلة في بلد يعتمد على المؤسسات في صوغ قراراته. والرئيس الذي يمتلك صلاحيات «ديكتاتورية» في الدستور الأميركي لا يستطيع المغامرة في خطواته كذلك لا يستطيع المبالغة في تصوراته. وأوباما الذي طرح فكرة التغيير لم يحدد شروطها وإنما تركها مسألة غامضة ومفتوحة على احتمالات متواضعة لأنه يدرك أن اللعبة الديمقراطية تتحرك في النهاية تحت سقف قانوني تضبط توازن المصالح ولا تفرط بالقواعد المشتركة التي يتألف منها المجتمع الأميركي.

أوباما يستطيع تحسين سمعة الولايات المتحدة الدولية، ويستطيع استعادة تلك الثقة التي خسرتها واشنطن بسبب سياسات بوش الطائشة، ويستطيع ترميم الجسور التي انقطعت مع الدول العربية والمسلمة بسبب «الضربات الاستباقية» و«حروب التقويض» في أفغانستان وفلسطين والعراق ولبنان، ويستطيع فتح خط اتصال مع روسيا بعد تلك الفوضى التي حاول بوش إثارتها في القوقاز، ويستطيع تجديد الانتباه لتلك الدول التي تمردت على الإرادة الأميركية في العالم الثالث. هناك الكثير من الملفات يستطيع أوباما تبريدها أو تجميدها أو تأجيلها ولكنه في النهاية لا يستطيع الإطاحة بتلك المصالح العليا التي تحقق التوازن الداخلي وتضبط إيقاع النمو الاقتصادي الذي يحتاجه المجتمع الأميركي لضمان مستقبله في عالم تتجاذبه المنافسات على احتواء الأسواق ومصادر الطاقة.

هناك حدود للتغيير على المستويات الاستراتيجية الدولية والسياسة الاقتصادية ومسألة الضرائب وإعادة النظر في توزيع الثروة... إلا أن مجرد انتخاب أوباما يعتبر نقطة مهمة في عنوان التغيير. أهم حادث في انتخابات الرئاسة اليوم هو إعلان فوز أوباما وهو يعتبر الأهم في كل ما جرى. وبعد الإعلان تصبح كل نقاط التغيير مجرد تفصيلات لن تتجاوز في حدودها العامة والمشتركة شروط الواقع. فالمجال في النهاية مرسوم ولن تخترقه المخيلة في اعتبار أن طبيعة الدولة الأميركية حتى الآن لن تعطي فرصة للتغيير الحقيقي أن يتحقق. وبهذا السياق يصبح التغيير اللوني (بشرة الرئيس) أهم خطوة فاصلة في المعركة الانتخابية لكونها تكسر الاحتكار وتفتح الباب أمام متحولات ديموغرافية (سكانية) يمكن أن تحصل في فترات لاحقة تأتي بعد انتهاء فترة أوباما.

صباح اليوم سنعرف من هو رئيس الولايات المتحدة. وكل الاستطلاعات تشير إلى أوباما باستثناء احتمال حصول مفاجأة يقودها «حصان طروادة»... والحصان الخفي يتمثل في الورقة العنصرية وهي السلاح الوحيد والأخير الذي يمتلكه ماكين. فهل تفوز العنصرية وتطيح بالتغيير أم ينجح التغيير وينهي عصر «العبودية» الأميركية؟ ساعات ونحصل على الجواب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2252 - الثلثاء 04 نوفمبر 2008م الموافق 05 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً