هذه الشكوى ليست من النواب الجدد الذين كثيرا ما تواجههم مطرقة رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني، كما أنها ليست من النواب القدامى الذين ألفوا هذه المطرقة حتى استقرت في أذهانهم جزءا مقدّسا من الأعراف البرلمانية التي لا يجوز الشك فيها أو النقاش بشأنها.
هذه الشكوى باختصار من شابٍ بحريني عاطلٍ عن العمل منذ سنوات، اتصل قبل أيام لينقل شكواه وتظلمه من رد رئيس مجلس النواب عليه. يقول في شكواه: هل يجوز أن يقفل رئيس مجلس النواب في وجهي خط الهاتف وينهرني بقوة، بدل السماع إلى شكواي؟
سألته: ما هي مشكلتك؟ فأجاب: أنا عاطل عن العمل من سنوات، ويئست من الحصول على أية وظيفة، فاتصلت أخيرا برئيس مجلس النواب ليجدوا لي ولأمثالي حلا، فالمستقبل مسدود أمامنا، ولا أمل لنا في الحياة، فهل يلوموننا إذا خرجنا نتظاهر في الشوارع؟
سألته: ولماذا اتصلت بالظهراني تحديدا؟ فأجاب: لأنه رئيس مجلس النواب ويمثل الشعب، ولكنه غضب مني وصاح في وجهي: اذهب إلى وزارة العمل وابحث عن وظيفة هناك... ثم أغلق الخط.
قلت له: ولماذا لم تذهب إلى وزارة العمل؟ فأجاب بسرعة: مللنا من الذهاب إلى هناك، ولم يجدوا لنا حلا، ولذلك اتصلت بالظهراني.
عدت أسأله: وطوال سنوات لم تحصل على وظيفة مناسبة؟ أجاب: كل الوظائف المعروضة بـ 120 دينارا، قل لي بصراحة هل هذه تكفي لتعيش؟ صمتّ قليلا ثم عدت لأسأله: إلى أي صف من المدرسة واصلت دراستك؟ أجاب: أنا من الإعدادي، لم أكمل المدرسة الإعدادية.
صباح أمس، تلقيت مكالمة أخرى، لرجل في الأربعين، يقول انه يعمل حارس أمن، ولديه ولدان عليه أن يدفع رسوم دراستهما الجامعية، ولديه طموح بمواصلة الدراسة الجامعية، وسبق له العمل في شركة كبرى، وتنقل بين ثلاثة أقسام فيها، حتى أزاحته التدافعات الطائفية. ولأن فرصة الدراسة في جامعة البحرين معدومة أمامه، فإنه توجّه إلى جامعةٍ خاصة، وساعده أحد الصناديق الخيرية بدفع جزء من تكلفة التسجيل. وقد قطع بعض الشوط في دراسة «تقنية المعلومات»، وهو تخصصٌ مرغوبٌ في سوق العمل، خلاف تخصصات أخرى تعاني من التشبّع حاليا.
مشكلته كما يقول هي عدم توافر الإمكانات المادية، مع هذه الزيادة المطّردة في تكلفة المعيشة، فاضطر لعدم التسجيل للكورس الأخير، ثم أخذ يسأل: أحيانا يصل بي الإحباط إلى السؤال عن فائدة المواصلة، فإذا كان الجامعيون لا يحصلون على عملٍ الآن، فلماذا أواصل دراسة مكلِفة وأنا في هذا السن؟ وإذا خُيّرت بين دراستي وتدريس أولادي ماذا أعمل؟
لم أكن أملك حلا له ولا للمتصل الأول، ولكن هناك قناعةٌ تامةٌ لا تتزعزع، بأن المؤهل الجامعي هو الحجّة التي يمكن أن تقدّمها للمطالبة بحقّك المشروع في العمل بوطنك المغرم باستقدام وتوظيف وتجنيس الأجانب. الشهادة هي الدليل على تأهلك العلمي، وهي السبيل لضمان حياةٍ كريمةٍ لكل مواطن بحريني، من أيّ طائفة أو لون.
الإحباط نسمعه منذ أكثر من عشر سنوات، ومن بعض طلبة الجامعة أنفسهم، وترك الدراسة يعني - اقتصاديا - خروجك نهائيا من سوق العمل، واجتماعيا يعني حكما على أسرتك بأن تعيش دون مستوى الكفاف. ثم إن السن لم يكن مانعا من المواصلة، فهناك قادة سياسيون واجتماعيون واقتصاديون... بدأوا في سنٍ متأخرةٍ ووصلوا إلى ما يطمحون. وهناك طلاّب علم كانت حياتهم دون خط الفقر بدرجات، فأصبحوا من عظام مراجع الدين.
الدنيا كفاح... لا تنتظروا الإحسان والشفقة من الآخرين، فالفقير لا يملك بعد التوفيق غير الإرادة والإصرار على تخطي الصعاب، خصوصا في بلدٍ تستهويه عملية استقدام الأجانب على حساب المواطنين «القدماء»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ