أعين المواطنين تترقب لجنة التحقيق النيابية في شأن وزارة الصحة وخدماتها المتردية يوما بعد يوم، إذ لا يعقل في ظل تراجع الرواتب وتردي القدرة الشرائية للمواطنين، أن تثقل الحكومة كاهل الشعب بمزيد من الإنفاق من هذه الرواتب الضئيلة من خلال دفعهم لشراء الخدمة الصحية.إنه لأمر غريب في بلدنا، فكلما زادت إيرادات الدولة بسبب ارتفاع النفط، زاد تخليها عن القطاعات الخدمية وخصوصا الصحة والتعليم العالي، وكأنها تريد أن تدفع المواطنين قسرا للالتجاء للقطاع الخاص لشراء تلك الخدمات، هذا مع العلم أن الحكومة تضع في يدها من خلال الموازنة ربما أكثر من 30 في المئة من مجمل الدخل المحلي، وهذه نسبة ليست هيّنة، وخصوصا في ظل تراجع الدولة عن المشروعات الاستثمارية لصالح القطاع الخاص نتيجة لتبنيها اقتصاد السوق الحر.
إنها لفضيحة من العيار الثقيل جدا أن يموت إنسان فقير أو يصاب بشلل نصفي في هذا البلد لعدم توفر سرير يسمح له بدخول مجمع السلمانية الطبي.إن تقتير الدولة في إنفاقها على الصحة خاصة في نطاق الوقاية، قد يقود لاستنزاف المال والناس والجهود فيما بعد، فتضيع الطاقات وتتعطل الكفاءات، وبالتالي تتأثر جهود التنمية الاقتصادية سلبا، لهذه وغيرها من الأسباب، فإن طلب زيادة الإنفاق على الصحة وإعادة الخدمات الصحية لمستواها السابق طلب في مكانه، فالخدمات قد ساءت وتراجعت ، خاصة في السنوات الأخيرة.
الدولة التي تأمل بتحقيق تنمية حقيقية، تولي أهمية خاصة للخدمات، وبالذات الصحة والتعليم، وذلك لصعوبة شرائهما من السوق من قبل عامة المواطنين، ونتيجة لذلك كله جعلت برامج التنمية الحديثة العناية بالصحة من أولويات أهدافها كتوفير المستلزمات المتعلقة بالصحة العامة، والارتفاع بالمستوى الصحي والقضاء على الأوبئة والأمراض، ولهذا ما زالت الدول المتقدمة مستمرة في مزيد من العناية بالخدمات وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية.
ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين ما تنفقه دولة نفطية كالبحرين مع ما تنفقه حكومات الدول الرأسمالية الصناعية على الصحة في القطاع العام فقط، سنجد البحرين متخلفة، فبحسب صحيفة «الوسط» بتاريخ 30 يناير/ كانون الثاني فان الإنفاق على قطاع الصحة من إجمالي الإنفاق العام %8، وهو ما لا يزيد تقريبا عن %4 من إجمالي الدخل المحلي، بينما يندر أن تجد دولة رأسمالية متطورة تنفق أقل من 60 في المئة من إجمالي الدخل المحلي على الصحة في القطاع العام وحده.
ونظرة سريعة على تلك الأرقام والإحصائيات التي تتحفنا بها التقارير العالمية، تبيّن بوضوح أن الدول المتقدمة اقتصاديا بشكل عام، تقل فيها الأمراض والمشاكل الصحية عامة، مما يعني وجود علاقة وثيقة بين النمو الاقتصادي والحالة الصحية التي يتمتع بها أفراد المجتمع، فكلما زادت عناية الدولة بصحة مواطنيها، وقلّت الإصابة بالأمراض، وأمكن القضاء أو محاصرة الأوبئة، كانت التنمية الاقتصادية أكثر نجاحا، وأكثر عطاء.
حتى فيما يتعلق بالأمراض ذات الصلة بالممارسات الجنسية فان الأرقام التي تتحفنا بها التقارير الدولية تشير إلى عكس ما كان يعتقده البعض من إنها متركّزة في الغرب نتيجة التسيب الأخلاقي، فمثلا جاء في تقرير التنمية البشرية لعام 2003: يوجد 42 مليون شخص مصاب بفيروس نقص المناعة الآيدز في كل أنحاء العالم، 39 مليونا منهم في البلدان النامية.وسنويا يتم استنزاف المال الكثير في العديد من هذه البلدان على مكافحة الأمراض الوبائية، ولكن بعد انتشارها، وملايين البشر يموتون أو تتعطل طاقات الكثير منهم من ذوي الخبرة والمهارة نتيجة الإصابة بمرض معدٍ، فبينما لا يتعدى عدد المصابين بالسل 9 أشخاص من كل ألف شخص في البلدان المتقدمة وخاصة بلدان منظمة التعاون والإنماء الاقتصادي المرتفعة الدخل، يصل 144 شخصا لكل ألف نسمة في البلدان النامية.
إن الأرقام الأخيرة حول عودة مرض السل وظهور عشرات الحالات في البحرين، يشدد على أهمية لجنة التحقيق وجديتها.كما توجد بعض الممارسات التي يقوم بها كبار الاستشاريين في مجمع السلمانية الطبي لصالحهم الخاص، وهي ممارسات تتسبب في تعطل حصول المواطنين العاديين على خدمات الحكومة المجانية نتيجة توظيف أولئك الاستشاريين لهذه الخدمات لصالح مرضاهم في عياداتهم الخاصة خارج مجمع السلمانية.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ