السفر إلى جدة على الساحل الغربي للبحر الأحمر يأخذ المرء إلى مدينة يتحدث عنها السعوديون بأنها «غير»، بمعنى أنها تختلف عن باقي المدن السعودية لأسباب كثيرة.
جامعة الملك عبدالعزيز احتضنت الندوة العالمية للاستخدامات السلمية للتقنية النووية بدول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من 3 إلى 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، وبرنامج الندوة يبدأ من الصباح الباكر ويستمر حتى السادسة مساء.
وفي مساء اليوم الأول للندوة (3 نوفمبر)، كانت فرصة لي ولاثنين من الإخوة البحرينيين الذين حضروا المؤتمر لأنْ نلبي دعوة القنصل العام البحريني في جدة الأخ حمد البنخليل الذي وفر لنا فرصة للاطلاع وحضور «ديوانية جدة»، وهي ديوانية تبرع لبنائها اثنان من رجال الأعمال السعوديين هما عماد المهيدب وخالد الفوزان، وفي تلك الديوانية تلتقي بشخصيات سعودية مرموقة تجتمع عدة مرات أسبوعيا ومعهم الدبلوماسيون الخليجيون الذين يواظبون على إحياء هذه الديوانية المملوءة بالثقافة والترويح وتبادل أطراف الحديث عن قضايا مفيدة.
وفي الليلة التي حضرناها كان ضيف الديوانية شخصية اقتصادية سعودية مرموقة. لا أذكر اسمه لأنني لم أحضر هناك كصحافي للتغطية، ولست أدري إن كان سيوافق على نشر اسمه مع بعض مما طرحه في الديوانية، فقد قدم شرحا لما يتوقعه من آثار للأزمة المالية العالمية الحالية على سوق النفط، وبالتالي على الوضع الاقتصادي السعودي والخليجي. ومن بين ما طرح هو أن تاريخنا الإسلامي لا يحدثنا بمعاملات مثل التي جرت في أسواق المال الأميركية وغيرها، إذ إن المال تحول إلى سلعة، والمال يشتري المال. ففي تاريخ الإسلام إذا كان لديك ذهبٌ لا تشتري به ذهبا، وإنما تشتري به شيئا آخر.
ولكن السوق المالية الأميركية حولت المال إلى سلعة، وهذه السلعة أصبحت بيد المضاربين الذين يبيعون الديون ويشترون على أساس البيع الآجل. فمثلا يأتي أحدهم ويشتري 100 برميل نفط على أساس أن سعر النفط سيصعد بعد ستة شهور، وقبل أن يتسلم المئة برميل يبيعها على شخص آخر بسعر أكبر، وهذا يبيعها على شخص آخر بسعر أكبر أيضا... وهكذا فلو افترضنا أن عملية البيع استمرت إلى عشرين شخصا، فإن المئة برميل الأصلية أصبحت 2000 برميل، هذا في الوقت الذي لم يتسلم بعد الشخص الأول المئة برميل الأصلية، وعليه، فإن الشخص الأخير لو أراد أن يحصل على ما اشتراه فإنه قد لا يجده، وإذا حدثت مشكلة ما فإن الأمر مضاعف. ولو استبدلنا مثال المئة برميل بسلعة مالية وهي كمية من الديون، نفهم ما حدث من أزمة سببها المقامرة بالأسعار وبتحويل المال إلى سلعة بذاتها تباع وتشترى.
ينتقل الحديث بعد ذلك بصورة تفصيلية إلى سوق النفط وكيف يرتبط بالدولار، وكيف أن صعود سعر النفط يؤدي إلى انخفاض الدولار، والعكس صحيح، وبالتالي فإن ما يستحصل من قيمة حقيقية هي أقل من السعر المعلن عنه. فعندما وصل سعر البرميل إلى 140 دولارا كان الدولار منخفضا، ولو حسبتها فلربما تجد أن سعر البرميل لم يتغير كثيرا رغم أن الرقم كبير.
تفاصيل كثيرة ونقاشات أأمل أن أتمكن من نشرها في وقت لاحق، ولكن المهم أن هذه الديوانيات هي بتعبير أحد الإخوة «صالونات أدبية» من النوع الراقي التي يتعرف من خلالها من يحضرها على معلومات قيمة تشكل ذهنيته، وكما يطلع أكثر على الكرم العربي الأصيل الذي يميز شخصية السعودي العارف بشئون زمانه.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2252 - الثلثاء 04 نوفمبر 2008م الموافق 05 ذي القعدة 1429هـ