دُعي ناسك عجوز يوما إلى بلاط أقوى ملك في زمانه.
أحسد ناسكا يكتفي بهذا القليل... قال له الملك... احسد جلالتك!! الذي يكتفي بأقل القليل... رد الناسك... كيف تستطيع قول ذلك ولدي كل هذه المملكة هتف الملك مغتاظا!! بالضبط أجاب الناسك العجوز... أنا لدي الأفلاك والأنهار وجبال العالم كلها... لدي القمر والشمس... لأن الله في روحي!! أما جلالتك فليس لديك سوى هذه المملكة!! أنني أسائل دائما... أين ذهبوا هؤلاء العقلاء في زماننا الذين إذا ما جلست معهم شعرت وبأنك تطيرمن الفرح والسعادة وإذا سألتهم النصيحة وجدت ذلك البريق في عيونهم وكل الحب والمودة للمساعدة وتخفيف وطأة الحياة بما أتوه من علم ومعرفة وفلسفة حياتية متراكمة دونما تفرقة بين البشر بما أتوه من أديان منوعة وفصائل باتت الشغل الشاغل لتفرقة الشعوب وللحروب والنكبات!!
هم القانعون بأن الحياة هي العطاء وان الشقاء لا يأتي إلا مع الطمع وتكديس الأحوال!!
ان الحكماء في الماضي كانوا أطباء ومعالجين ولهم فلسفة السمو والعلو الإنساني وعلى رغم إمكاناتهم المادية المتواضعة فإن المنزلة الاجتماعية الراقية واحترام الآخرين وتقدسيهم لهم كان كافيا لقناعتهم بما يتميزون به من عطاء وإبداع حياتي!!
اما الآن فلقد تغيرت تلك الحقائق إذا من هم العقلاء؟!... لقد تغير الحكماء وأضحوا أطباء معالجين للأمراض العضوية ميكانيكيا لإسكات الأوجاع ودون أية نصائح لمحاولة منع مثل هذه الأمراض نظرا لضحالتهم العلمية وقلة قراءاتهم للتزود من فلسفة الحياة وحكمتها وللإسراع بالمردود المادي قبل فوات الأوان!! وتحول الاسم من حكيم إلى طبيب!!
إذا هل العقلاء هم المثقفون... ومن هم المثقفون هل هم السياسيون الذين ما إن تنطلق ألسنتهم في الثرثرة حتى نشعر أننا أمام تراكمات من الزعل والسخط على كل أنظمة العالم ودون اعطاء أية حلول!!
هؤلاء يشعرون بالعظمة المزيفة وحب الذات ويريدون السيطرة على الآخرين بفلسفتهم على رغم أنهم لا يفقهون شيئا بالأمور الحياتية الأخرى وفلسفتها... ولا حكمة لديهم بتاتا الا تكرار الشكوى من الأنظمة والممارسات السياسية الخاطئة... وأمرهم غريب حقا!!
إذن هل العقلاء هم المهندسون أم المدرسون أم... أم إلخ... أم الإداريون... الذين همهم الأكبر هو التحكم بمصائر من حولهم!! هؤلاء أيضا يقومون باستغلال الآخرين لتعزيز شخوصهم وللحصول على كل الشهرة والأضواء وبلعبة الخدع البصرية وهم الهم الأكبر والمتحكمين بالمبدعين والمنتجين وبحيث لا يهتمون الا لمن ينساق إليهم كالدمى الصامتة يحركونها كيفما يشاءون للحصول على الصوت الداخلي المريض!! للحصول على النشوة والشعور بالفوقية!!
إن هذا العصر الحديث الذي شغل الناس فيه بالخصخصة والشهرة المادية المزيفة والفشخرة والمظاهر الكاذبة البراقة وباتت الثقافة تختبئ وراء العروض المطاطية والإيقاعات المبطنة بالجنس الغريزي وضعيفة وتصيده كل البعد عن العمق والجدية كل هذا للحصول على أكبر عدد من المشاهدين (للمردود المادي).
وبات الأدباء والمبدعون الحقيقيون مغمورين بسبب سوء الإدارة وابتعد الإنسان وضاع الناسك والحكيم في دروب الحياة وأخفقت الماديات في الوصول إلى قلب الإنسان وذاته الحقيقية.
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ