الصورة المسيطرة للمرأة السعودية في العالم ليست إيجابية، وهي ليست مبنية على معرفة شاملة. اطرح السؤال على عينة عشوائية في الغرب أو في الزوايا الأكثر تحررا في العالم العربي عما يعرفونه عن المرأة السعودية، والأرجح أنك ستحصل على إجابتين متكررتين تتسمان بالجهل: المرأة السعودية مغطاة بالأسود ولا تستطيع قيادة السيارة.
التبسيط الشامل لهذه الصورة هو ما تحاول الكاتبة منى المنجّد جاهدة أن تعمل على إصلاحه ومناقضته وتفعيله في كتابها الجديد «المرأة السعودية تتكلم: 24امرأة مثيرة للإعجاب يتكلمن عن قصص نجاحهن». يضم الكتاب الذي صدر حديثا عن المعهد العربي للبحوث والنشر في عمان وبيروت 24 مقابلة مع 24 امرأة لديهن بالتأكيد الكثير ليقلنه.
تبدأ المنجد كتابها بمقدمة مختصرة عن تاريخ المملكة العربية السعودية وحقوق المرأة في الإسلام ووضعها في المجتمع السعودي اليوم، وتسرد بحذر وبشكل حاسم التطور المجتمعي والإصلاح الاجتماعي في المملكة منذ العام 1960، منهية مقدمتها بوصفات خفيفة ولكن مؤثرة حول كيف يمكن لهذه الإصلاحات أن تسير قدما: جعل النظام التعليمي أكثر تجاوبا مع سوق العمل، تيسير الوصول بشكل متساوٍ إلى المعلومات والتكنولوجيا، إرساء قواعد شراكات بين المنظمات الحكومية وغير الحكومية لتشجيع وجود المرأة في مواقع العمل وتفكيك العوائق التي تمنع المرأة من المشاركة في الحياة العامة عن طريق الإصرار، في البيت وفي مراحل التعليم المبكرة، على أن تحرر المرأة والإسلام لا يتعارضان.
جميع النساء الأربع والعشرين اللواتي يتحدث عنهن كتاب «المرأة السعودية تتكلم» رائدات بطريقة أو بأخرى. ثمانٍ منهن من الأسرة الحاكمة، بمن فيهن الملكة الراحلة عفّت بنت محمد بن عبد الله الثنيان والتي قابلتها المؤلفة قبل وفاتها في فبراير/شباط 2002.
انتقلت الملكة عفّت من اسطنبول إلى السعودية في ثلاثينات القرن الماضي. يومها لم تكن هناك مدارس للفتيات، أو مكان لبناتها للحصول على التعليم إلا في المنزل ومن قبل مدّرسة خاصة. لذا قامت الملكة عفّت بإنشاء مدرسة رائدة للأولاد في الأربعينات وأول دار لليتيمات هي دار الحنان، في الخمسينات. خلال عقد من الزمان اتسعت دار الحنان لتشمل مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية. بحلول سبعينات القرن الماضي أنشأت الملكة عفّت أول كلية مجتمع نسائية.
تتمتع جلسات الأسئلة والأجوبة التي أجرتها المنجّد مع شخصيات كتابها بنفس أهمية الحقائق التي تسردها، فهذه الحوارات تختصر الأناقة الوردية اللغوية والمجاملات الكلامية وتخترق نحو القضايا الهامة. «يتوجب على بني البشر» تقول الملكة عفّت بواقع عملي، «أن يعرفوا كيف يستخدموا أدمغتهم».
من الشخصيات الأخرى التي يغطيها كتاب «المرأة السعودية تتكلم» عائشة المناع، وهي مديرة مستشفى وأول سعودية تحصل على شهادة الدكتوراه وعادلة بنت عبد الله بن عبدالعزيز آل سعود ابنة عاهل السعودية الحالي.
وتظهر مقابلة المنجد مع عائشة المناع نقاط القوة في كتاب «المرأة السعودية تتكلم»، إذ تصف نضالها من أجل تأسيس شركة خاصة بها «الخليجية للتنمية» التي عملت على إضافة تدريس علوم الحاسوب للشابات.
قبيل اندلاع حرب الخليج الأولى العام 1991 قامت السيدة المناع وسبعة وأربعون امرأة سعودية أخرى بالإعراب عن احتجاجهن في مظاهرة صامتة ضد النزاع المقبل إذ استقلين أربعة عشر سيارة وقمن بقيادتها بشكل دائري في شوارع الرياض. أرادت السيدة مناع ومن تآمر معها أن تثبت أن المرأة بحاجة للقدرة على التحرك والانتقال بل وأكثر من مجرد ذلك في وقت الحرب. ولأن المرأة لا يسمح لها بقيادة السيارة في السعودية فقد تم تغريمهن واحتجازهن في أقرب مركز للشرطة إلى حين قدوم رجالهن لأخذهن إلى منازلهن.
«أردنا فقط أن نثير القضية وأن نبرزها إلى الواجهة» تقول السيدة مناع للسيدة المنجّد.
على رغم ذلك فإن كتاب المنجّد لا يتعدى الخطوط الطبقية أو يغطي كامل طيف المجتمع السعودي. فهي تركز على جيل من النساء الموسرات نسبيا اللواتي كن من أوائل الناجحات في مجموعة من المجالات المهنية والفنية والخيرية. لم يكن الأمر سهلا بالنسبة لهن، لذا فإنهن يتحدثن عن شجونهن بانفتاح وصراحة. وعلى رغم أن الجو العام للكتاب إيجابي فإن المقابلات التي أجرتها المنجد تكشف عن أجندة صعبة من العمل الذي لم يكتمل بعد.
إذا كان كتاب المنجد يكسر الممنوعات ويدخل مجاهلها فإن توجهها سري وذكي. فهي تسأل شخصيات الكتاب عن آرائهن بالرجل السعودي وعن حياتهن اليومية وبرامجهن وكيفية إدارتهن للوقت ورأيهن بما حققنه والنصائح التي يقدمنها للأجيال المقبلة.
فلو أن المنجّد تعمقت في المواضيع اللاذعة الأقل احتشاما لأمكن لكتاب «المرأة السعودية تتكلم» أن يصبح الأكثر مبيعا، وصورة أكبر وأوسع لكتاب «فتيات الرياض». ولكن لو أنها حاولت ذلك فمن الأرجح أن أيا من النساء اللواتي قابلتهن لن توافق على مقابلتها. الكتاب كما هو يشكل أول مرة توافق فيها هؤلاء النساء على نشر مقابلة معهن يقرأها أفراد الشعب الذين يهتمون بالقراءة.
العملية التي قامت المنجد بوضع معاييرها بدقة يسطع بريقها في المقابلة التي أجرتها مع عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ابنة الملك الحالي. الأميرة المولودة في بيروت تتحدث بصراحة عن أثر طلاق والديها مثلما تتحدث بصراحة عن ضرورة تبديل نظام التعليم بشكل كامل في بلدها وإدخال إصلاحات إضافية تسمح للمرأة بالعمل.
«لست سوى جزء صغير من هذا المجتمع الواسع أطرح وجهات نظري» تقول الأميرة عادلة. «إلا أننا لا نستطيع العودة إلى الوراء. يجب علينا أن نصبح أكثر تحررا فنحن بحاجة إلى التغيير».
*كاتبة في صحيفة «الديلي ستار» وينشر المقال بالتعاون
مع خدمة Common Ground CGNews
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ