العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ

حسن حداد: خان عاشق للسينما يبحث عن تجديد دائم

في كتابه «محمد خان سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة»

في مقدمة آخر كتبه «محمد خان سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة» يصف الناقد البحريني حسن حداد المخرج محمد خان بكونه أحد أبرز من أثروا في السينما المصرية في جهة التجديد، فهو يعيش في بحث دائم عن إطار وشكل جديدين لأفلامه، يميزانها عن بقية ما أنتجته السينما السائدة. هو فنان يعشق السينما ويمارسها كما يتنفس الهواء، يصور باستمرار متوغلا في بحثه الدائم هذا، ولمناقشة أسلوب ومميزات خان السينمائي، لابد من استعراض كامل وموسع لمجمل أفلامه، وذلك لرصد تطوره الفني والتقني من خلالها والتعرف على مضامين وأفكار كونت ما يسمى بـ «سينما محمد خان». يستعرض الكاتب تجربة خان من خلال سرد مفصل لبعض أهم أفلامه بدءا بفيلم «ضربة شمس» أولى تجاربه الروائية الفيلمية التي اتضحت فيه قدراته كمخرج يمتلك أسلوبا خاصا يميزه عن بقية المخرجين المصريين على صعيد النقاد.

وهو فيلم يندرج ضمن نوعية الأفلام البوليسية، التي تعتمد على الإثارة والتشويق، وتجسيد الصراع القائم بين قوى الخير والشر. وعلى رغم قصة الفيلم البوليسية، فإن هناك اهتماما خاصا بشخصياته، باعتبار أن سينما خان قائمة أساسا على الشخصيات والتفاصيل الصغيرة المحاطة بها، أكثر من قيامها على الحكاية (الحدوتة). بعدها ينتقل إلى ثاني أفلام خان وهو «الرغبة»، الذي يصل فيه إلى مرحلة أكثر وعيا ونضجا في السيطرة على حرفيته الفنية والتقنية، ليقدم فيلما يعتمد على مهارة التمثيل وإمكانات الإخراج، الأمر الذي يكشف عن مخرج متمكن من أدواته وأسلوبه السينمائي.

صراع المدينة والريف

ينقلنا الكتاب بعدها مع أفلام خان من المدينة إلى الريف، في فيلم «خرج ولم يعد» الذي يدعو فيه بشكل غير مباشر للهرب من المدينة إلى الريف، وذلك على رغم العشق والولع بالحياة في المدينة في أفلامه. في هذا الفيلم يسخّر خان كل أدواته الفنية والتقنية لتجسيد فكرة الصراع بين المدينة والريف، وذلك بشكل محصور في البيئة فقط وغير مرتبط بالواقع الاجتماعي والاقتصادي.

في فيلم «أحلام هند وكاميليا» يعود خان مرة أخرى إلى المدينة والى مجتمع القاهرة الحقيقي بشوارعه وأزقته وبكل ضجيجه وفوضويته.

نظرية أحادية

أما في فيلم «أيام السادات» الذي يعتبر حدثا مهما بالنسبة الى السينما المصرية، يقوم خان بدراسة شخصية السادات من كل جوانبها النفسية والعاطفية، متناولا فترة تاريخية طويلة من حياته.

خان قسم السيناريو إلى قسمين، الأول يتناول حياة السادات قبل وصوله للرئاسة، والآخر يتناول حياته بعد أن أصبح رئيسا، ونرى فيه أسلوب خان، المهتم بالشخصيات والتفاصيل الصغيرة. هو مخرج لا يهتم بالحدوتة، وهذا بالضبط ما وجده في شخصية السادات، فهي شخصية ثرية دراميا، مليئة بالتناقضات، والتباينات المثيرة، ولحظات القلق والتوتر، وفترات صعود وهبوط، وتأرجح ما بين الحياة والموت. في هذا الفيلم لا يترك خان بصمة واضحة كمخرج له رؤية إخراجية فنية وفكرية خاصة، صحيح أن الإخراج كان متقنا في الكثير من المشاهد كحرفية وهذا راجع لخبرة المخرج الكبير إلا أنه كان ضحية سيناريو ضعيف.

انفراد وتميز

بعدها يأخذنا المؤلف إلى عالم خان الفني والفكري فيذكر أن أهم ما يميزه كمخرج هو كونه لا يفكر في المتفرج أثناء تنفيذه لأي من أعماله بل إنه لا يضعه في اعتباره، وهذا ما جعل منه فنانا يمتلك بعض الحرية في التعبير عن قضايا ومشكلات تشغله وتخصه هو بالذات كإنسان وفنان، كما جعله يتخلص من قيود هذا المتفرج الكسول وقيود السينما التقليدية عموما، وبالتالي إطلاق العنان لخياله الفني لاستحداث وابتكار أشكال فنية جديدة. ويأتي خان بأفلام ذاتية، بمعنى أن هذه الذاتية تشكل طريقا وهدفا حقيقيا للتعبير بصدق وأمانة عما يشعر به تجاه مجتمعه، فهو يقوم دائما بكتابة قصص أفلامه ويشارك في كتابة السيناريو لها، حرصا منه على أن تتضمن أفكارا وشخصيات هي في النهاية عبارة عن مجموعة من الهواجس الذاتية.

متعة سينمائية

تتميز أفلام خان بخاصية المتعة السينمائية، وجرأته الفنية في النزول إلى الشارع، فهو الذي جسد عشقه لشوارع القاهرة من خلال متابعته لمغامرات بطله المصور في أول أفلامه «ضربة شمس» لدرجة أنه أصر على تصوير مشهد كامل ومعقد في مطعم قريب من سينما مترو. وهو الذي جعل من حياة سائق تاكسي موضوعا سينمائيا، وخلق جوا خاصا في تنقله بين الطرق الطويلة المتميزة بين المدن في فيلم «طائر على الطريق» وانتقل في فيلمه «موعد على العشاء» إلى الشوارع الخلفية والجانبية ذات الملامح الخاصة بالإسكندرية. لكن خان يتمتع بأسلوب عمل مختلف فهو صارم وشديد الحساسية في آن واحد أثناء التصوير، فعلى رغم أنه يكتب قصص أفلامه ويشارك في صوغ السيناريو لها، فإنه يرفض الاستماع لآراء الآخرين أثناء التصوير، كما أن له فلسفة ورأيا خاصين بالنسبة الى السيناريو. وهو يرى أن هناك مخرجا منفذا للسيناريو ومخرجا مؤلفا أو خالقا، له فكره الخاص، وبالتالي فهو يرى أن السينما أساسا هي سينما المخرج مئة في المئة، إذ ينسب الفيلم لمخرجه ويكون مسئولا عنه مسئولية كاملة.

أما عن أسلوبه في التعامل مع الممثل، فهو جدير بأن يجعل منه طاقة فنية خلاقة، بإمكانها أن تثري الشخصية التي يقوم بتجسيدها بتفاصيل مهمة، وتجعلها أكثر صدقية وواقعية، وبالتالي أكثر وصولا الى المتفرج.

أخيرا يشير حداد إلى أن هذا الفنان يمتلك إصرارا عميقا على صنع السينما التي يريدها والتي تعبر عنه بصدق، على رغم وجوده في ظل عجلة إنتاج سينمائي فقير، وهو بذلك يعيش في صراع دائم وغير متكافئ، ويقف صامدا مع قلة من زملائه الفنانين أمام تيار السينما التقليدية السائدة، لأنه مؤمن تماما بأن السينما التي يصنعها سيكون لها تأثير كبير على عين وذوق المتفرج العادي، والذي بدأ فعلا الارتقاء باهتماماته الفنية وحسه الجمالي.

العدد 1672 - الأربعاء 04 أبريل 2007م الموافق 16 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً