في الوقت الذي يعاني العمل التطوعي تراجعا ملحوظا في أعداد المتطوّعين الجدد، واقتصاره على قدامى العاملين، تبرز في الساحة ظواهر إيجابية، من بينها زيادة الاهتمام بفئات معينة ذات معاناة خاصة من قبيل الأيتام والصم والمعوقين، وهو اتجاهٌ يستحق كل تشجيع وتقدير.
على الجانب الرسمي، هناك خطط ومشروعات وبرامج تُنَفَّذُ ضمن سياق السياسة العامة للدولة، وفي موازاتها هناك برامج ومشروعات «أهلية» تقوم بها جمعيات ومؤسسات انبثقت من صلب المجتمع المدني. وغالبا ما يكون الحافز هو حب الخير والعمل الصالح، وإن كانت هناك أطراف «طارئة» حاولت الدخول على الخط لاستغلاله سياسيا.
عصر الإثنين الماضي، شهدت مهرجانا نظمته في البلاد القديم إحدى الجمعيات الخيرية العاملة في هذا المجال، (الزهراء). الحضور ضاقت به الحديقة، وكان العنصر النسائي غالبا، ربما لانشغال أكثرية الرجال بأعمالهم، ولكن يبقى العنصر النسائي يتمتع بحيوية كبيرة، إضافة إلى الحماس الذي تؤمّن له المضي في العمل حتى الأخير. وهو ما يؤكده واقع العمل في الجمعيات والصناديق، وما تنفذه من مشروعات تطوعية مختلفة.
الجمعية المذكورة لديها 300 يتيم في البحرين، ولديها أكثر من ألف ملف لأيتام آخرين قيد الدراسة. وهي تقوم بتقديم سلة غذائية إلى الأيتام، ربما للاطمئنان إلى صرف المساعدات في تلبية الحاجات الأساسية، كما تفعل الكثير من الصناديق الخيرية التي تكتفي بصرف «كوبونات» شهرية بدل النقد الذي قد يُصرف خلاف رغبة المتبرعين، بحسب قاعدة «الأحوج فالأحوج».
إلى جانب ذلك، تمد الجمعية يدها لمساعدة ألف يتيم في أفغانستان، وألفي يتيم في لبنان، وسبعة آلاف في العراق. صحيح أنها مبالغ صغيرة ومحدودة، لا تلبي إلاّ قطرة من بحر المآسي والآلام في هذه الدول المنكوبة، ولكن تبقى محاولة محمودة، تنم عن طيبة هذا الشعب وطيب معدنه، وإنسانيته العابرة للحدود، في وقت كثر فيه «القِطْرِيون» الذين لا يرون العالم إلاّ من خلال ثقب الوطن الصغير.
مدير الجمعية الشيخ محمد حبيب المقداد تحدّث عن مشروعات أخرى، من بينها القرض الحسن، وكان نبرة صوته يتجاذبها الأمل والقلق. فمن جهة لديه آمال عريضة في التوسع في المشروع الذي يخدم الطبقات الفقيرة في تيسير أمورها المعيشية وحلّ جوانب من اختناقاتها المالية ويخلصها من التزامات الديون الربوية، ولكنه في المقابل كان يشكو التباطؤ في السداد، وهو ما يعوق عملية تدوير المال لمحتاجين آخرين.
هذه المشروعات - التي يقوم بها المجتمع المدني - مكملة للمشروعات الحكومية، وتساهم في رفع جزءٍ لا يستهان به من الأعباء عن كاهل الوزارات. من هذا المنظور، يغدو من الواجب على الجهات الرسمية أن تسهّل أعمالها، وتتعاون معها إلى أقصى حدود التعاون، وفي مقدمتها وزارة التنمية الاجتماعية. نقول هذا وأعيننا على الصناديق الخيرية التي مازالت قضية تحويلها إلى جمعيات تراوح مكانها، في ظل طروحات صحافية متضاربة، وردود «دبلوماسية» من الوزارة لا تحمل جديدا منذ ثمانية أشهر حين التقت الوزيرة ممثلي الصناديق. والمطلوب اليوم من الوزارة ليس فقط إسقاط رسوم التحويل، فهذا من أوجب الواجبات، ولكن عدم تجميد أموال الصناديق الخيرية أثناء فترة التحوّل التي قد تطول؛ لأن في ذلك تعطيلا لمصالح آلاف الأسر الفقيرة من مختلف مناطق البحرين.
بارك الله في كل مجهود خيري يبذله هؤلاء العاملون في الظل، بعيدا عن الأضواء والبهرجة الإعلامية وحبّ الظهور، وأضعف الإيمان أن تدل على الخير.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1671 - الثلثاء 03 أبريل 2007م الموافق 15 ربيع الاول 1428هـ