اللا اطمئنان أو القلق مرض خطير ومرهق، وخطورته تكمن في هيمنته ليس على نفس الإنسان فحسب باعتباره حالة نفسية بل في امتداده لجسد الإنسان وجسمه، مرورا بعقله وطريقة تفكيره، وكيفية قراءته للأشياء وفهمه لها، من دون أن يستثني سلوكه ومجمل تصرفاته.
المفردات التي تقابل الاطمئنان كثيرة (دون تدقيق) منها القلق ومنها الخوف ومنها الهوس، كما أن تمظهراته تنعكس في الكوابيس الليلية والتفكير الشارد والسرحان، وتصور سيناريوهات ومشاهد مزعجة وغير حقيقية ثم بناء الأفكار والتصورات والسلوكيات عليها.
ومن غير الخفي أن المرأة في مجتمعاتنا العربية تعيش قلقا غير معلن منذ بدايات وعيها وتفتحها وشبابها فهي تعيش قلق الشكل والجمال ،وقلق انتظار العريس، وقلق الذرية والخلفة، ثم بعد ذلك قلق أن يكون إنجابها للذكور وليس للإناث، وقلق الحفاظ على زوجها من أن تخطفه أنثى أخرى وقلق الحياة الهانئة مع الزوج، وقلق الحيازة على قناعة الزوج بها دون أن يتطلع إلى شريكة (ضرة) لها، وقد كتبت ا سامية حسن الساعاتي في كتابها الجميل (السحر والمجتمع) ما يفيد هذا الموضوع.
وفي اعتقادي أن القلق هو مرض العصر ومعاناة إنسانه أينما كان، فلا يقتصر الأمر على المرأة، كما انه ليس خاصا بمجتمعنا العربي والإسلامي، نعم يصح أن نقول أن مولدات القلق تختلف من مجتمع إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى تبعا ربما لاختلاف القيم والأعراف والثقافة السائدة.
وهنا لا أشعر بحاجة إلى نقل الأرقام والإحصاءات عن عدد المنتحرين الذين يتعاطون المخدرات والحبوب المهدئة، ويتفننون في صنع العقاقير المهسترة وترويجها في المجتمعات الأخرى لأن الأمر أكثر وضوحا من الشمس في رابعة النهار كما يقولون.
لكن أود هنا أن أشير إلى بعض أنماط التعامل الأسري والاجتماعي التي تولد (بقصد أو من دون قصد) الكثير من القلق والضغط النفسي بالنسبة للمرأة السعودية والعربية عموما، وربما تدفعها لمسارات غير محمودة من قبيل الارتماء في أحضان المشعوذين والدجالين، والتوسل بأمور السحر والجن وما شابه ذلك من خرافات وأوهام ومسالك خطيرة.
زواج الفتاة
لا يشعر الذكر بالقلق إذا تأخر عن الزواج كما تشعر الفتاة، ولا اقصد هنا الشعور الطبيعي فذلك من حقها، لكني اقصد الشعور الذي تسبب فيه الأسرة والمجتمع المحيط بتلك الفتاة.
فالكثير من الأسر تؤزّم وضع الفتاة إذا تأخر عنها النصيب، وكأنها هي السبب في ذلك، يظهر ذلك جليا حين يحصل اختلاف أو مشادة كلامية بين هذه الفتاة ووالدتها أو والدها، فقد تندفع بعض الأمهات أحيانا لذكر أسماء فتيات يقاربنها في العمر وقد تزوجن وأنجبن وأنت لا تزالين ثقلا على رأسي، ليس وراءك إلا التعب والعناء.
وفي بعض الأحيان يمارس الوالدان سلوكيات ذات وقع سيء (دون قصد منهما) على الفتاة، كأن تجبر على مرافقة والدتها في الزيارات والتجمعات، حتى تراها النساء ويكتب لها النصيب بالزواج من أحد أولادهن أو أقاربهن.
ويصل الأمر إلى ذروته حين تهان الفتاة وتعيّر في أجوائها الأسرية لأنها لم تكن محل تفكير لأي شاب ولم تتطلع إليها أي أم أو صديقة لتشجع ابنها على طلب يدها، هنا يمكن أن نقول إننا أصبحنا في خطر مما ستتجه إليه تصرفات هذه الفتاة التي قد تكون قمة في الجمال والذكاء وحسن الأخلاق، وإن تأخر عنها النصيب.
تلك التصرفات السابقة تُمرض نفسية الفتاة، وتدخلها في أزمات يصعب عليها أن تعبر عنها، وتحتار في الإجابة عليها،لأن الإجابة والتعبير عن الأزمة سيكون محرجا ومأزقا حقيقيا لها، خصوصا إذا كانت الأجواء العائلية غير متفهمة وواعية.
أريد التنبيه هنا أن بعض الكلمات القاسية التي تصدر من الوالدين بسبب حال الغضب والإزعاج ربما لا تكون مقصودة تماما وقد تنتهي بانتهاء نوبة الانفعال والتشنج، لكن آثارها السيئة لا تزول بهذه البساطة من نفسية الفتاة لأنها تدميها من الداخل وتجرح أنوثتها وتشعرها بثقلها على أهلها وأسرتها، وهذا هو الخطر الكبير ، حين تفقد الاطمئنان في وسطها العائلي أوالأسري.
الكبرى أولا
ينشب صراع عنيف في بعض الأسر إذا تقدم عريس لطلب الزواج من إحدى بناتها (الصغيرة) مع وجود أختها (الكبيرة) من دون زواج، هذا الصراع قد يكون مستترا في نفسية الفتاة الكبيرة وقد تعبر عنه بحالات هستيرية مزعجة، والقليل منهن من تتحلى بالحكمة والعقل والروية.
ويعود السبب الحقيقي في ذلك إلى تعامل الأسرة والأقرباء مع الموضوع بطريقة مغلوطة، فغالبية الأسر يوجهون العريس إلى الأخت الكبيرة بذريعة أنهم لا يتمكنون من زواج الصغيرة مع وجود أختها من دون زواج، ويحاولون الضغط على العريس ما استطاعوا لينتزعوا منه الموافقة على الزواج من الكبيرة، كما أن بعض العوائل ترفض هذا الزواج وتبقي جميع الفتيات في انتظار زواج البنت الكبرى، إن هذا التصرف بقدر ما يكشف عن حرص الأسرة على سعادة جميع بناتها، فإنه يوجد صراعا قد لا يتمظهر في الخارج لكنه يعشش بين الأخوات بشكل أو بآخر، كما أنه قد يعطل نصيب الجميع، أما بالنسبة للبنت الكبرى فسيشعرها بأمور أخرى تحطم نفسيتها، وتربك وضعها النفسي، فهي العائق عن زواج أخواتها، وهي التي تدفع عائلتها العرسان إليها بالضغط، وهي عاثرة الحظ دون بقية من معها.
إن الضرورة الأخلاقية والتربوية تحتم علينا أن نتحدث مع بناتنا بما يحيي فيهن الاطمئنان، ويصرف عنهن القلق، سواء في تصرفاتنا معهن في مثل هذه المواقف وغيرها، أو في أحاديثنا معهن، إن علينا أن نعرفهن أننا معهن ما بقي فينا رمق من حياة، وأن سعادتهن جزءا لا ينفصل عن سعادتنا، وأنهن دائما نصب أعيننا وفرحتنا التي لا نغفل عنها أبدا.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ