تحتفل أوروبا الموحدة بعيدها الذهبي ومشكلة كبيرة تبقى في الأفق، وهي مشكلة «الدستور الأوروبي»، الذي يقتضي العمل به الموافقة عليه من قبل كل الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، وفي حين بدأ العمل بـ «العملة الموحدة « على رغم رفض عدد من الدول الأعضاء، فإن مسألة الدستور الأوروبي الموحد، يُجمع البعض داخل أوروبا نفسها على أنها مشكلة متصلة بـ «الهوية والجذور».

وبدأت لجنة أوروبية متخصصة في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2001 في صوغ دستور موحد للاتحاد وفي التاسع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول 2004 وقع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي معاهدة بشأن «دستور لأوروبا» وصدقت حتى الآن 18 دولة على العمل بهذا الدستور فيما رفض الفرنسيون والهولنديون العمل به في استفتاء شعبي العام 2005 وتجمد مشروع الدستور نظرا لأن لوائح العمل به تستوجب موافقة جميع الدول الأعضاء، وتعمل ألمانيا خلال فترة توليها رئاسة الاتحاد الأوروبي حتى يونيو/حزيران 2007 على وضع خطة زمنية وآلية عمل للتوصل إلى اتفاق بين الدول الأعضاء بشأن الخطوات المقبلة للدستور الموحد.

ويهدف الدستور إلى جعل أوروبا قادرة على التعامل في الداخل والخارج ويضع اللوائح المنظمة لذلك ويوزع الاختصاصات ويسهل إجراءات إصدار القرارات ويوسع من نفوذ البرلمان الأوروبي ويصبح ميثاق القانون الأساسي الأوروبي قانونا ملزما.

ويعتمد الاتحاد في بنيته التنظيمية على ثلاثة أجهزة إدارية تعرف بما يسمى المثلث الإداري وهي مجلس الاتحاد الأوروبي، المفوضية الأوروبية و البرلمان الأوروبي.

1. مجلس الاتحاد الأوروبي: ويعتبر من أهم الأجهزة الإدارية في الاتحاد «على رغم تقليص صلاحياته لصالح البرلمان الأوروبي» ويقوم بتمثيل مصالح الدول الأعضاء على المستوى الأوروبي، ويتكون من وزراء حكومات الدول الأعضاء والذي يعقد اجتماعاته حسب الحاجة في كل من بروكسيل و لوكسمبورغ.

2. المفوضية الأوروبية: تهتم المفوضية الأوروبية والتي مقرها بروكسل بمصالح الاتحاد الأوروبي ككل، ما يفرض على المفوضين الالتزام بذلك بغض النظر عن جنسيتهم والدول التي ينتمون إليها، وتقوم بوضع الموازنة العامة للاتحاد والإشراف على تنفيذها، بالإضافة لذلك تقوم المفوضية بتمثيل الإتحاد في المفاوضات الدولية كما يحق لها توقيع الاتفاقات مع دول خارج الاتحاد و لها صلاحيات واسعة في مسألة قبول أعضاء جدد في الاتحاد.

3. البرلمان الأوروبي: يملك البرلمان الأوروبي بعض الصلاحيات التشريعية و يعتبر الجهاز الرقابي و الاستشاري في الاتحاد الأوروبي، ويراقب عمل المفوضية الأوروبية و يوافق على أعضائها، يشارك بوضع القوانين، يصادق على الاتفاقات الدولية و على انضمام أعضاء جدد، كما يملك صلاحيات واسعة في ما يتعلق بالميزانية المشتركة للاتحاد الأوروبي.

أما المجلس الأوروبي، فيجدر هنا التنوية إلى ضرورة عدم الخلط بينه وبين مجلس الاتحاد الأوروبي أو مع مجلس أوروبا فهو اجتماع لرؤساء الدول والحكومات في الدول الأعضاء بالإتحاد الأوروبي بالإضافة إلى رئيس المفوضية الأوروبية، يعقد الاجتماع من 2 إلى 3 مرات في العام لاتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية المهمة ورسم سياسة الإتحاد، وعادة ما يكون برئاسة الدولة التي تترأس مجلس الاتحاد الأوروبي، ويتم اتخاذ القرارات بالإجماع، ولا يعتبر المجلس الأوروبي من الأجهزة الإدارية للاتحاد.

وينظر كثير من الدول الطامحة إلى تشكيل تكتل من نوع ما فيما بينها بإعجاب شديد إلى النموذج الأوروبي على رغم ما يحيط به من مشكلات بما فيها المشكلة الدستورية. وفي تلك الرؤية نسبة عالية من الصواب. فمثل هذا النموذج الاقتصادي الاجتماعي في أوروبا القارية، والذي يسعى إلى الدمج بين روح التنافس وعامل التضامن، هو الغراء الذي يربط بين أجزاء الاتحاد الأوروبي، كما أنه يميز أوروبا عن نموذج السوق الحرة الأميركي (أو الآنجلو سكسوني). ومن الواضح أن الحل الذي تقدمت به أوروبا لمواجهة تحديات العولمة يكمن في عدم ترك مجالات الحياة الاجتماعية، كالرعاية الصحية أو التعليم أو البيئة أو الثقافة، تحت رحمة آليات السوق.

هذا الطموح هو الذي يجعل الأوروبيين يتطلعون في عام اتحادهم الخمسين الى انجازات كبرى من ضمنها الاقتصاد. والأخبار الجيدة عن اقتصاد العامين الأخيرين تستحق التقدير. بيد ان النمو المستدام يحتاج علي المستوى الأوروبي الى المزيد من الاجراءات المشجعة خلال الفترة المقبلة. لكي يستطيع الاتحاد تجاوز بعض مشاكله الأخرى غير الدستورية.