تكملة لحديث يوم أمس نرى أن الظروف الدولية لا تخدم عملية التكامل الاقتصادي العربي. بل إذا كانت التجارة العربية البينية ضعيفة في الماضي (لم تتجاوز 15 في المئة في أحسن الأحوال من تجارتها مع العالم) فإنها بكل تأكيد لن تتعزز في عصر منظمة التجارة العالمية والعولمة. لاحظ في هذا الصدد قيام بعض الدول العربية (الأردن، المغرب، البحرين، عمان) بالتوقيع على اتفاقات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وعمدت هذه الدول على إبرام اتفاقات للتجارة بصورة منفردة طمعا منها في الوصول إلى السوق الأميركية الضخمة لغرض المساهمة في إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية من قبيل البطالة وجلب الاستثمارات. يحتل الاقتصاد الأميركي المرتبة الأولى في العالم اذ يزيد حجم الناتج المحلي الأميركي فيها عن 12 ألف مليار دولار.
سوق مشتركة عربية
لا شك في أن هدف إنشاء سوق مشتركة بين الدول العربية يستحق التقديرا لأنه يخدم عملية التكامل الاقتصادي العربي. لكننا نرى صعوبة تحقيق مشروع السوق العربية المشتركة وذلك بالنظر للظروف الموضوعية وفي مقدمتها عدم حاجة الدول لبعضها البعض في تجارتها العالمية. كما أن التباعد الجغرافي يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الهدف الطموح. المعروف أن مبدأ السوق المشتركة يتطلب إطلاق العنان لعوامل الإنتاج بالتحرك داخل الدول العربية الأمر الذي يشكل تحديا بحد ذاته. نعتقد بأن الأمر غير قابل للتطبيق وذلك على خلفية التطورات الأمنية المتلاحقة في المنطقة (العنف في العراق على سبيل المثال). كما أن مسألة الحصول على تأشيرات دخول تقف عائقا اذ لا توجد مرونة في منح التأشيرات لدى بعض الدول العربية. تشتهر الدول العربية بتنسيقها في المسائل الأمنية (لاحظ الاجتماع الدوري لوزراء الداخلية العرب). لكن الأمر لا ينطبق بالضرورة على التنسيق الاقتصادي ربما لأسباب واقعة. والإشارة هناك إلى عدم وجود عناصر موضوعية تساعد على التكامل الاقتصادي العربي.
محدودية التميز العربي
خلافا لدول الاتحاد الأوروبي لا يعرف عن اقتصادات الدول العربية تميزها أو امتلاكها عناصر تنافسية خاصة بها مع بعض الاستثناءات هنا وهناك. فألمانيا على سبيل المثال تتميز بصناعة السيارات والمعدات. أما إسبابنا فلديها قدرة فائقة في مجال الإنتاج الزراعي ما يفسح المجال أمام التبادل التجاري بين البلدين. بيد أنه لا ينطبق الأمر نفسه على واقع الحال في الدول العربية إلا ما ندر. وإذا كان هناك من تميز فذاك موجود بين دول مجلس التعاون الخليجي. فقد نجحت قطر في تعزيز قطاع الغاز فيها بواسطة جلب شركات عالمية قامت بتطوير الصناعة. كما نجحت إمارة دبي في فرض نفسها كأهم واجهة تجارية في المنطقة بأسرها. بل باتت دبي تطرح نفسها كمدينة عالمية تعمل على استقطاب الكفاءات للعمل في شتى الميادين الخدمية مثل الإعلام. كما نجحت البحرين في فرض نفسها كأهم مصدر للصيرفة الإسلامية على مستوى العالم.
باختصار لكل دولة عربية مشكلاتها الاقتصادية الخاصة بها. بل تحتاج هذه الدول إلى الانفتاح على الاقتصادات العالمية والتي بدورها تتمتع بقوة شرائية تماما ما هو الحال مع الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي. المؤكد بأن الحل يكمن في افتتاح الدول العربية على الاقتصادات العالمية وليس بالضرورة على بعضها البعض (طبعا من دون الإشارة إلى الخلافات العربية-العربية التي لا تعد ولا تحصى والتي بدورها تطغى على المصالح الأخرى).
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 1669 - الأحد 01 أبريل 2007م الموافق 13 ربيع الاول 1428هـ