العدد 1668 - السبت 31 مارس 2007م الموافق 12 ربيع الاول 1428هـ

تعدد ثنائيات المياه وتكامل الحلول

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

بخلاف الوسائط الطبيعية والموارد الطبيعية الأخرى، يتسم الماء، بالإضافة إلى كونه موردا لا غنى للإنسان عنه لبقائه على قيد الحياة، فإنه مورد حيوي استراتيجي ومُدخل رئيس في معظم أوجه عملية التنمية المختلفة في الدول. وفي الدول التي تقع مساحاتها في النطاق الجاف من العالم تصبح عملية إدارة الموارد المائية وتوفيرها بشكل مستدام لهذه الأنشطة التنموية من المهمات البالغة الصعوبة بسبب محدودية الموارد المائية الطبيعية المتاحة أمام مسئولي المياه وزيادة الطلب والتنافس عليها من قبل القطاعات المستهلكة. وتصبح هذه العملية أكثر تعقيدا وتحمل معها تحديات أكبر عندما تكون هذه الندرة المائية مقترنة بنمو سكاني وإسكاني عاليين وتنمية اقتصادية متسارعة، كما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي.

وحاليا يرى المراقبون والمتخصصون في دول المجلس أن تحدي المياه في دول المجلس هو من أكبر وأخطر التحديات التي تواجه هذه الدول، ومن المتوقع أن يزداد حجم هذا التحدي مع الزمن نظرا لقلة الموارد المائية الطبيعية المتوافرة والكلفة الباهظة التي يجب تحملها لتوفير المصادر المائية غير التقليدية (المتمثلة أساسا في التحلية وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة)، ولصلات المياه المباشرة بجهود التنمية المتسارعة عموما في دول المجلس، ولوجود ثنائيات متعددة للمياه مع أوجه التنمية ومقوماتها المختلفة، كثنائية المياه وصحة الإنسان (أي توفير مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي للسكان)، وثنائية المياه والزراعة (أي توفير المياه لإنتاج الغذاء والأمن الغذائي للسكان)، وثنائية المياه والبيئة الطبيعية (أي توفير المياه للأنظمة الايكولوجية للقيام بوظائفها الحيوية في خدمة الحياة الفطرية وموائلها)، وثنائية المياه والصناعة (أي توفير المياه للقطاع الصناعي ليستمر في خدمة أهداف التنمية الاجتماعية - الاقتصادية)، وثنائية المياه والطاقة (أي توفير الطاقة للإنتاج المزدوج من المياه المحلاة والطاقة)، وغيرها من الثنائيات.

وما يزيد من تعقيد المشكلة المائية ويصعب من حلها هو الطبيعة المتشعبة لمشكلاتها، وهي طبيعة اجتماعية واقتصادية وقانونية وأخلاقية وتقنية وسياسية وأمنية، والتي تتقاطع مع الثنائيات المتعددة المذكورة أعلاه بشكل متغير مع الزمن ويصعب فهمها باستخدام منظور أحادي البعد. ولذلك، ونظرا إلى تعدد الثنائيات المتعلقة بالمياه وتشعبها وما تحمله من الكثير من التداخلات والتعقيدات، فإن أسلوب حل المشكلة المائية والتعامل معها بكفاءة يتطلب أن تكون الحلول هي أيضا متعددة وتتعامل مع الكثير من القطاعات والمجالات، كما يتطلب ذلك صوغ استراتيجية مائية شاملة ومتكاملة متعددة التخصصات تهدف إلى استمرار خدمة المورد المائي لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول المجلس واستدامتها.

ويستدعي تحقيق ذلك بشكل فعال، أي صوغ استراتيجية متكاملة، التعامل مع مشكلة المياه وإدارتها بمنهج تكاملي، وأن تتظافر الجهود من جميع التخصصات ذات العلاقة بالمياه لتغطية الثنائيات المتعددة وطبيعتها المتشعبة، وتوفير متخصصين في هذه المجالات المتعددة للعمل مع المسئولين والمتخصصين في مجال إدارة الموارد المائية في إعداد هذه الاستراتيجية كفريق متكامل، كل يساهم في مجال تخصصه في مواجهة المشكلة المائية. فعلى سبيل المثال تحتاج قضية رفع الوعي المائي إلى مشاركة متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والإعلام وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة للعمل إلى جانب المسئولين عن ترشيد المياه، ويحتاج وضع تعرفة على استخدامات المياه لتكون عادلة وكفء في المحافظة عليها متخصصين في علوم الاقتصاد والاجتماع والتشريع والقانون، وتحتاج عملية المحافظة على الموائل البيئية المعتمدة على المياه متخصصين في الحياة الفطرية والبيئة. وفي بعض القضايا الأكثر تعقيدا، مثل عملية إعادة استخدام المياه المعالجة والتخطيط لها وإدارتها، هناك حاجة إلى عدد كبير من التخصصات للتخطيط لهذه العملية وإدارتها والتي تخرج عن نطاق التخصصات التقليدية للمياه (أي علوم وهندسة وتقنيات المياه)، مثل المتخصصين في صحة البيئة والأطباء المتخصصين في الأمراض المعدية التي تنتقل بواسطة المياه والأغذية، والمهندسين الزراعيين، والمتخصصين في علم الاجتماع / النفس للتعامل مع قضية تقبل المزارعين لهذه المياه، وهكذا...

إلا أن الواقع الحالي في معظم دول المجلس لا يدل على أن هناك محاولة لإشراك هذه التخصصات المهمة والمطلوبة للمساهمة في عملية إدارة الموارد المائية. ويبدو أن الفكر السائد حاليا هو أن المتخصصين في المياه هم وحدهم الذين يملكون الحل ويستطيعون التعامل مع المشكلة المائية بكل ثنائياتها وتعقيداتها وتقاطعاتها مع العلوم الأخرى، وهو فكر لا يتفق والمناهج العلمية الحديثة لإدارة الموارد المائية، وكما دلت تجارب الفترات السابقة، سيساهم في الاستمرار في عدم التمكن من الوصول إلى حل كفء للمشكلة المائية في دول المجلس.

وفي ظل هذا الواقع، وكخطوة أولى يقترح أن تبدأ دول مجلس التعاون في إعداد وتشجيع تشكيل فرق عمل وطنية من مختلف التخصصات للتعامل مع مشكلات المياه المتعددة لإجراء الدراسات والبحوث التطبيقية بصورة تكاملية (تقنية، اقتصادية، اجتماعية، صحية، ...) في كل قضية من قضايا المياه التي تواجهها هذه الدول بهدف الوصول إلى حلول متكاملة تنظر للمشكلة من زواياها المتعددة الجوانب، ولتكون هذه الفرق والدراسات التي ستنتج عنها بمثابة النواة التي ستساهم في المستقبل في صوغ الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للمياه في هذه الدول والتعامل مع قضاياها المتعددة.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1668 - السبت 31 مارس 2007م الموافق 12 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً