من المتوقع أن يصوّت مجلس النواب البحريني في جلسته هذا الأسبوع على لجنة تحقيق لوزارة الصحة لدراسة الأخطاء الطبية التي يتعرض لها المواطنون، وما إذا كانت الوزارة ستعوضهم عن هذه الأخطاء أم لا. التوجّه لتشكيل هذه اللجنة، والذي تقوده كتلة «الوفاق» هذه المرة، ناتج عن استقبال نواب الكتلة- كما ذكروا- الكثير من الاتصالات من مواطنين يشكون هذه الأخطاء المتكررة، ويطالبون بتحصيل تعويض لهم عنها.
طالما ترددت كثير من القصص، المفجعة أحيانا، حول ما يجري في أروقة مستشفيات وزارة الصحة، وهو حديث متكرر منذ سنوات ربما تكون بعمر مستشفيات وزارة الصحة «العتيقة».. ولم يكن النواب الدافعون باتجاه لجنة التحقيق تلك بحاجة إلى مكالمات يتلقونها من المواطنين ؛ليفتحوا هذا الملف الشائك. قصص يستبعد البعض أن تكون حقيقية، أوأن تجري في البحرين، فما بالك لهم أو لعزيز لديهم. فمن سيدة حرمت من قدرتها على الحمل والولادة لأن «خطأ طبي» تسبب في استئصال رحمها في عملية ، إلى آخر تفاقمت حالته حتى الوفاة بسبب «خطأ طبي» آخر في وصف دواء له مضاعفات خطرة عليه دون قياس تأثيرها، إلى غيرها من سلسلة طويلة عريضة من القصص، التي تحدث، ولا تحدث. فبعض المتضررين يرفع صوته بالحديث والسؤال والطلب، وبعضهم الآخر يفضل الصمت، فما خسره يكفي ويزيد.
والقضية أكبر من وزارة صحة يمكن أن تجرى لها لجنة تحقيق، ووزيرة تقف لتجيب على أسئلة النواب وتتحمل لومهم وتقريعهم، فالمشكلة كانت قائمة، ولا تزال، ولا بدّ من قياسها أولا، ودراسة أسبابها إن كانت موجودة، ثم إيجاد الحلول لها.
وربما نحتاج قليلا أن ننظر في فلسفة الخطأ الطبي... فالخطأ أمر وارد، الكل يخطأ في عمله، موظف المصرف قد يخطأ ويتسبب في خسارة مصرفه الملايين، والمدرسة قد تخطأ فتمنح علامة أعلى أو أدنى لطالبتها في الاختبار، والمهندس قد يخطأ في بنائه الهندسي فيتسبب في تهديم بنائه على ساكنيه. والطبيب أيضا قد يخطأ في وصفه للدواء، أو تشخيصه، أو في عملية يقوم بها. هامش الأخطاء موجود، ومغفور مادام الخطأ من دون تعمد أو ترصد. غير أن فداحة الخطأ، وما يتسبب فيه من ضرر هي التي تجعل الفرق كبيرا جدا بين علامة أو علامتين لم تحسبا لطالبة في الاختبار، وبين مريض فقد حياته، أو قدرته على المشي، أو النظر. كلها أخطاء ، وكل خطأ يغتفر، بيد أن الخطأ الطبي غالبا ما يكون أكثر فداحة؛ لأنه ينبع من حساسية مهنة الطب نفسها، ومفعولها الآني، أو المستقبلي، على حياة وصحة وأرواح الناس، وهي جميعها أمور لا يمكن على الإطلاق أن تجعل حيز الخطأ الطبي متشابه مع حيز أي خطأ آخر.
يحصل المريض في الولايات المتحدة الأميركية على ملايين الدولارات تعويضا له من أي مستشفى تسبب له في خطأ طبي إن أثبتته المحكمة، وهي حقوق منصوص عليها في القانون ولا تحتاج إلى آلية قانونية معقدة جدا كالتي نمتلكها نحن في البحرين. هذا ما نتمنى أن يركز عليه النواب في لجنة تحقيقهم مع وزارة الصحة، فليس هناك تشكيك في نزاهة الوزارة، أو في إحساس أطبائها بالمسئولية تجاه مرضاهم والنتائج التي تترتب عن الأخطاء الطبية، حسن النية مفترض وواقع، غير أن الأمر يشمل النظام الصحي في البحرين بالكامل، بتشريعاته، بالتأمين الصحي على المواطنين الذي لم يطبق حتى الآن، بحقوق الأطباء وواجباتهم، وبحقوق المرضى أيضا والقوانين التي تحميهم، كلها أمور تحتاج إلى دراسة فاحصة تعيد النظر في السياسة الصحية وتبعاتها.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ