ويبدو أن دول العالم النامية ستكون لها كلمتها القوية في الاقتصاد العالمي في الحقبة المقبلة. فمما لاشك فيه ان الاحتياطيات الرسمية المتراكمة لدى بلدان شرق آسيا وبعض الدول النامية الأخرى سيكون من شأنها أن تزود هذه الدول بسبل إضافية للتعامل مع صدمات خارجية محتملة. إلا أن هذه الاحتياطيات أدت أيضا إلى تقييد توسع الطلب الداخلي ونمو الواردات، الأمر الذي أدى بالتالي إلى تفاقم الخلل العالمي في التوازن بدلا من علاجه.
الأمر المنطقي الذي لا يساوره الشك، هو أن أي حكومة بمفردها تعجز عن تحمل الكلف المترتبة على تنفيذ السياسات اللازمة لتصحيح الخلل في التوازن العالمي اليوم. إلا أن الاتفاق الدولي على مجموعة من السياسات من شأنه أن يساعد على تقليص المخاطر المترتبة على ضعف النمو في البلدان الأضخم اقتصادا، والحفاظ على الثقة في استقرار الأسواق المالية الدولية، وتجنب الانخفاض الحاد للدولار. وسيتطلب هذا على سبيل المثال تحفيز النمو في أوروبا، وآسيا، والدول الرئيسية المصدرة للنفط من أجل معادلة التأثير الانكماشي على الاقتصاد العالمي نتيجة للتعديلات المطلوبة في الولايات المتحدة، والتي لابد وأن تتضمن انتهاج سياسات مالية أكثر إحكاما، وخفض معدلات الاستهلاك الشخصي، وزيادة معدلات الادخار الداخلي لتقليص العجز الخارجي.
لقد بات من الضروري إعادة ترتيب أسعار الصرف على نحو جيد التنسيق بهدف تحفيز الصادرات القادمة من الدول التي تعاني من العجز وتحفيز الطلب على الواردات من جانب الدول التي تتمتع بفائض. والمسألة هنا ليست مجرد إعادة تقييم العملية الصينية، كما يزعم بعض المسئولين في الولايات المتحدة، بل إن الأمر يتطلب التعديل المتدرج لأغلب العملات الرئيسية في مقابل الدولار، وذلك بالتزامن مع تعديل السياسة المالية والنقدية على نحو جيد التنسيق في بقية أنحاء العالم.
الحقيقة الأخرى التي ينبغي أن تدركها الأسواق العالمية هي أن المنابر الحالية، مثل القمم التي تعقدها مجموعة الثماني، لا تتناسب مع الجهود الرامية إلى تحقيق مسار العمل هذا، ويرجع السبب الأساسي وراء هذا إلى استبعاد اللاعبين الرئيسيين من العالم النامي. وتشكل آليات الإشراف التعددية التي أطلقها صندوق النقد الدولي في العام الماضي خطوة على المسار الصحيح، ولكن بشرط أن تعمل هذه الآليات كجزء من آليات مؤسسية تعددية تتولى الإشراف وتنسيق السياسات.
ولكي يتمتع صندوق النقد الدولي بالصدقية كوسيط في هذه الآلية فهو ذاته في حاجة إلى الإصلاح، بما في ذلك التغيير الجوهري في توزيع قوى التصويت بهدف جعل تأثير الدول النامية متناسبا مع الثقل الذي أصبحت تتحمله اليوم في الاقتصاد العالمي. ولقد اتخذت بعض الخطوات المتواضعة على هذا المسار أثناء اجتماعات صندوق النقد الدولي في سنغافورة في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي.
ولابد من استخدام مثل هذا المنبر أيضا في العمل نحو إدخال إصلاحات بنيوية على النظام النقدي العالمي بهدف تقليص اعتماده المفرط على الدولار الأميركي كعملة احتياطية. كما لابد وأن تعمل مثل هذه الإصلاحات على إنشاء نظام احتياطي متعدد العملات، أو حتى على الأمد الأبعد، ابتكار عملة عالمية تعتمد على أذون سحب خاصة يصدرها صندوق النقد الدولي.
إن مجرد احتمال هبوط حاد وشيك في قيمة الدولار - وما سيترتب على ذلك من عواقب على الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي - لابد وأن يكون مزعجا إلى الحد الذي يدفعنا إلى تنسيق الجهود وتعبئتها سعيا لاتخاذ الإجراءات المناسبة. ومن المؤكد أن التنسيق على الصعيد العالمي سيؤدي إلى نتائج أكثر إرضاء مقارنة بما قد تستطيع أي دولة بمفردها أن تحققه من نتائج.
ووفقا لما تراه وكالة أنباء «رويترز» فإن تفاقم التقلبات في أسواق الأسهم والصرف العالمية في الآونة الأخيرة يعكس وجود مخاطر نزولية في الأسواق المالية التي من الضرورة بمكان ان ينظر إليها على أنها من «حقائق الحياة».
ان المنطق السوي الذي يمكن أن يسود هنا هو العمل من أجل عملية إصلاح بنيوية للسوق العالمية شبيهة، إلى حد بعيد، بتلك التي عرفها العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية التي كان من نتائجها المباشرة نظام «بريتون اند وودز».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ