العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ

تحرير التجارة العالمية طريق الفكاك من التخلف أم تكريس للتبعية؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

بتاريخ 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 اختتمت القمة الصينية الإفريقية الثالثة، وقد دعا البيان الختامي الدول المتطورة إلى مساعدة الدول النامية بفتح أسواقها لمنتوجات هذه الدول وتسهيل ذلك بتخفيف الضريبة الجمركية.

مثل هذه المطالبات الملحة ليست بجديدة، وخصوصا أن من أكبر أسباب تخلف الدول النامية ما أفرزته الحقبة الاستعمارية التي شاركت فيها الكثير من الدول المتطورة الغربية، والتي خلقت ولمدة مديدة تقسيما دوليا للعمل يتسم بالجور ومازالت تعاني منه الكثير من الدول النامية، يجعل من الدول النامية متخصصة في إنتاج المواد الخام فقط. وطالما عقدت المؤتمرات الدولية وأوصت بتحسين ظروف دخول بضائع الدول النامية إلى أسواق الدول المتطورة الغنية، وهذا الأمر مستمر منذ مدة طويلة جدا، فمثلا سنة 1964 في جنيف، تقدمت الدول النامية في الاجتماع الأول لهيئة التجارة التنمية آنذاك والتابعة للأمم المتحدة، بطلبات للدول الرأسمالية الغنية، تطالبها بعدة أمور منها، إلغاء الشروط المجحفة والتي تعوق دخول بضائع الدول النامية للدول الغنية.

غير أن الدول الرأسمالية الغنية تعرقل ذلك بشتى الطرق لمنع تسويق المنتوجات الجاهزة الصناعية من الدول النامية، وحتى إذا تمكنت الدول النامية من الضغط وتمرير بعض شروطها، تلجأ الدول الصناعية المتقدمة إلى وضع عراقيل من نوع آخر، كزيادة متطلبات الرقابة الصحية أو المواصفات على المنتجات الصناعية وما شابهها من شروط غير قابلة للقياس الدقيق.

ينقل أحد الكتاب النص التالي المعبر عن سياسة الغرب تجاه هذه المسألة والذي جاء في يوم ما في مجلة «الايكونمست» البريطانية: «لا تسمحوا للدول النامية أن تدخل إلى أسواقنا منتوجاتها التي تصنعها بكلفة رخيصة، وإذا اضطررتم إلى شراء الخامات منهم فاعملوا كل ما في وسعكم لشراء هذه الخامات بأسعار زهيدة جدا».

وفي ظل العولمة ومن مظاهرها رفع الحواجز الجمركية عن انسياب السلع بين الدول، وتفعيل اقتصاد السوق الحرة على مستوى عالمي، فإن بعض الباحثين يتخوف من أن تقضي التوجهات الجديدة على صناعات وزراعة بعض الدول النامية.

فأما الصناعة فهي للتو وقفت على رجليها، وخصوصا الصناعات الثقيلة والتي من دونها لا يمكن الفكاك من مشكلة التبعية والتخلف، وإن تحميل هذه الصناعات عبء مسابقة منتجات الدول المتقدمة العريقة وشركاتها العابرة للقارات وذلك برفع الحماية الأبوية عنها، سيؤدي إلى هزيمتها المنكرة، ويخرجها من مضمار السباق مبكرا.

لقد كانت المنتوجات الصناعية للدول النامية تتميز بانخفاض أسعارها، وذلك يعود إلى عدد من الأسباب منها الأجر الزهيد ووفرة المواد الخام في بلدانها، ولو سمحت الدول الصناعية آنذاك لهذه المنتجات بدخول بلدانها من دون معوّقات، لقضت على بعض الصناعات المحلية للدول المتقدمة نتيجة الفرق في السعر التي تباع به.

العولمة مكنت الشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة للقارات التابعة للدول الصناعية الرأسمالية المتطورة من افتتاح فروع لها بكل سهولة وشروط تشجيعية في بعض الدول النامية، ما يمكنها من إنتاج بضائع بالكلفة المتدنية نفسها، فيتم تصنيع البضائع - مثلا - في الهند، وبمواد أولية رخيصة من الدولة نفسها، وأجور زهيدة يتقبلها العمال الهنود، ومن ثم يتم تصدير هذه المنتوجات لدولة نامية أخرى، وبذلك ستتمكن بسهولة من منافسة بضائع وصناعات الدول النامية المحلية، وربما القضاء على تطور بعض الصناعات.

حتى الزراعة التي تعد النشاط الاقتصادي الأساسي لكثير من الدول النامية، لن تتمكن من منافسة المنتجات الزراعية في الدول الرأسمالية المتطورة، ولن تكون قادرة على اختراق أسواقها حتى مع رفع الضريبة الجمركية على دخول هذه المنتجات للدول المتطورة الغنية، وذلك يعود إلى ما تقدّمه حكومات هذه الدول من دعم كبير للمزارعين يصل إلى مليارات الدولارات تمكّنهم من بيع منتجاتهم بسعر منخفض في أسواقهم المحلية والخارجية. وقد جاء في تقرير التنمية البشرية للعام 2003، «وُقدّر أن 38 في المئة من موازنة الحصص المخصصة للزراعة في البلدان الأوربية الغربية والولايات المتحدة واليابان، قد ذهبت إلى إجراءات حماية أسواقهم من منتجات البلدان النامية». وأنّ «الأبقار والقطن تتلقى من المعونة أكثر مما يتلقاه الناس».

وهذه الأساليب الملتوية متمثلة في دعم المنتجين المحليين ليست جديدة على الدول الرأسمالية المتقدمة صناعيا في تعاملها مع الدول النامية المتخلفة التي تسير في فلكها، فهذه السياسة متبعة منذ أواسط الستينات إذ تقوم السوق الأوربية المشتركة والولايات المتحدة بتقديم عشرات المليارات من الدولارات سنويا لدعم الاقتصاد الزراعي.

إن الدول الرأسمالية المتقدمة لم تواجه مثل هذه المنافسة الشرسة من دول أخرى عندما خطت نحو التنمية الاقتصادية خصوصا في منتصف القرن الثامن عشر وأثناء الثورة الصناعية، وبعد الثورة الفرنسية سنة 1789م، والسؤال: هل العولمة على هذا النمط والازدواجية في تطبيق اقتصاد السوق الحرة والذي تروّج له الدول المتقدمة حاليا سينتشل الدول المتخلفة من تخلفها أم سيعمّق تبعيتها ويكرّس تفوّق الدول الرأسمالية الكبرى؟

ألن تكون عامل إقصاء ومحاصرة وإضعاف للدول النامية التي خطت خطوات واسعة نحو التخلص من قيود التخلف وبالتالي ستعيدها مرة أخرى في طامورة التبعية؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً