في المشهد الأميركي يدخل الاحتلال الأميركي للعراق عامه الخامس، بعدما أدى إلى تدميره أمنيا واقتصاديا وسياسيا وأسقط العنفوان المبراطوري في الرمال المتحركة هناك بفعل الطريقة العشوائية العدوانية التي تدير أميركا بها احتلالها، الأمر الذي جعلها تتحدث عن الصعوبات التي تواجهها في الحرب وتطلب الصبر من الشعب الأميركي الذي بدأ يضيق بالنتائج السلبية والخسائر الجسيمة للاحتلال، ويطالبها بسحب الجنود الأميركيين من العراق وذلك في نطاق التظاهرات الشعبية التي ترفض الحرب.
ولكن الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته لايزالان يتحدثان عن النصر القادم الذي سيؤدي - بحسب تعبير رايس - إلى شرق أوسط أفضل وإلى أمن أوسع لأميركا، وهي تواصل الحرب على ما تسميه الإرهاب في الوقت الذي يعرف الجميع أن هذه التصريحات تمثل الأساليب التخديرية التي يراد من خلالها تخدير الشعب الأميركي وإبقاء صورة الدولة الأعظم التي تملك تغيير العالم بخططها السياسية والاقتصادية، ولكن من دون أن تنجح في عملية الخداع هذه لأنها حولت أكثر من بلد في العالم ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة للفوضى الأمنية والاهتزاز السياسي وخلقت لأمريكا أكثر من موقع للتحديات في مواجهة الشعوب التي تحولت إلى قوى كارهة لها بفعل الضغوط القاسية التي تستهدف فيها أوضاع المستضعفين.
وقد عبّر عن هذا السقوط السياسي الأخلاقي لهذه الدولة العظمى في إدارتها الحالية، مسئول أميركي، وهو المستشار السابق للأمن القومي الأميركي، بريجنسكي، الذي صرّح بأن الرئيس جورج بوش أضعف صدقية الولايات المتحدة في العالم بالتضحية بالمبادئ الأخلاقية الأميركية تحت شعار الحرب على الإرهاب، وأضاف: الواقع أنه بدّد صدقيتنا وشرعيتنا وحتى احترام الآخرين لسلطتنا... وهكذا بدأ العد التنازلي التدريجي للاحتلال على رغم إرسال الجنود المحاربين إلى العراق، لأن الاحتلال أصبح مطوقا في الداخل بالمقاومة الرافضة له وفي الخارج بالأوضاع المحيطة بالعراق التي تمثل التحدي للاحتلال بطريقة وبأخرى من دون أن تنتج المؤتمرات المنعقدة في العراق أو في دول الجوار أية نتيجة إيجابية لأنها تلعب لعبة الابتزاز والضغط على أكثر من دولة في المنطقة من أجل أن تقودها لمساعدتها في استقرار سياستها الاحتلالية ولكن من دون جدوى.
إن دخول الاحتلال في العام الخامس يحمل تاريخا عدوانيا وحشيا ضد الشعب العراقي الذي حصد بفعل طريقة المحتلين في إدارة المسألة الأمنية عشرات الألوف من الضحايا ومن الجرحى، كما أسقط الآلاف من جنوده من القتلى والجرحى في سقوط يومي في الحرب وستتحرك هذه الخسائر إلى هزيمة مستقبلية منكرة لن تقتصر على الساحة العراقية بل قد تمتد إلى المنطقة الرافضة للإدارة الأميركية في خططها الاستكبارية.
إن العراق كجرح نازف يسقط فيه الشهداء والضحايا بات ضحية الاحتلال والتكفيريين وبات مصيره رهن الضياع في المتاهات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، ويبقى الرئيس الأمريكي يلهث وراء نصر لن يتحقق.
إننا ننادي الشعب العراقي بجميع طوائفه ومذاهبه وأعراقه أن يقف وقفة العزة والكرامة والحرية والعنفوان ليرفض الاحتلال كله وذهنية التكفير بكل مقدماتها ونتائجها... وعليه أن يعمل بكل إمكاناته لمواجهة خطر الفتنة المذهبية فإنها إذا تعاظمت لن تحرق العراق وحده بل ستتحول إلى نارٍ تحرق الأخضر واليابس في المنطقة كلها من دون أن يربح السنة أو الشيعة لأن الجميع خاسرون في مناخ انفعالي ملتهب يسقط فيه الهيكل على رؤوس الجميع.
وفي المشهد الفلسطيني، انطلقت حكومة الوحدة الفلسطينية بعد مخاض عسير وتعقيدات سياسية صعبة في تنوّع متحرك في سبيل التحضير لمستقبل متوازن يلتقي فيه الفلسطينيون على إدارة حياتهم بطريقة التكامل والتعاون والتواصل من أجل حماية الداخل من الأوضاع القلقة التي عاشوا فيها في قتال متخلف من خلال السلبيات الحزبية التي تحبس الناس في زوايا مغلقة وفي عصبيات ضيّقة. وذلك فضلا عن تدخل المخابرات الصهيونية التي تستغل بعض نقاط الضعف لإثارة التقاتل بينهم. ولذلك فقد كان النجاح في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية صدمة للعدو وعلى رغم بعض السلبيات المحيطة بها مستغلا اللجنة الرباعية الدولية في شروطها التعجيزية للفلسطينيين بالاعتراف بـ «إسرائيل» من دون اعتراف منها بحقوق الشعب الفلسطيني إلى غموض حدودها التي لم تحددها حتى الآن - وإيقاف المقاومة للاحتلال من دون الطلب من «إسرائيل» - دوليا - بإزالة الاحتلال إلا بشروطها المهينة التي تصادر فيها أكثر الأراضي الفلسطينية. وهكذا أعلنت «إسرائيل» رفض الاعتراف والتعامل مع هذه الحكومة، ودعت الدول إلى الوقوف معها.
أما أميركا فإنها تقف موقفا ضبابيا منها مع تأكيد عدم تعاونها مع ممثلي حركة حماس على رغم حصولهم على ثقة الشعب الفلسطيني في الانتخابات الديمقراطية، لأن أميركا لاتزال تجد في هذه الحركة وأمثالها من فصائل المقاومة حركات إرهابية لأنهم يجاهدون ضد الاحتلال لتحرير بلدهم الذي ترى أميركا الحق لـ «إسرائيل» في احتلاله واجتياحه تحت عنوان الدفاع عن النفس - بحسب تعبير الرئيس بوش - على رغم كل الإرهاب الوحشي المتمثل في عدوان الجيش الصهيوني على الشعب الفلسطيني كله اغتيالا وتدميرا وقصفا وحصارا واعتقالا واجتياحا لقراه الآمنة ومخيماته البائسة...
ومن المضحك المبكي أن رايس علقت على تصريح رئيس الحكومة الفلسطينية ببقاء المقاومة ضد الاحتلال بأنها لا تفهمه وتريد جوابا عنه، لأنها لا تجد حقا للفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وترفض تأكيد ذلك.
وتبقى دول الاتحاد الأوروبي في موقف محيّر بين دول تنفتح على هذه الحكومة ودول تتحفظ في علاقاتها تحت تأثير التبعية للسياسية الأميركية الضاغطة... ويبقى للدول العربية والإسلامية أن تقف وقفة مسئولة مع الشعب الفلسطيني في حكومة الوحدة الوطنية وتساعده ماليا وسياسيا وأمنيا، لأن ذلك هو الذي يمنح هذه الدول صدقية الصفة العربية والإسلامية، ويجعلها محل احترام العالم لها، وخصوصا أن الواقع العربي ينتظر نتائج القمة العربية المنعقدة في الرياض التي تتطلع الشعوب العربية إليها لتكون قمة العنفوان في حركة الحرية والصمود والانفتاح على قضايا الأمة، وتخشى أن تكون قمة التنازلات التي تدعو إليها أميركا و»إسرائيل»، ما اعتاد العرب أن يقدموه للدولة الصهيونية في مراحل سابقة... إن الجميع الآن أمام التحدي الكبير في مستقبل الأمة، فإما أن يرتفعوا إلى مستوى القمة وإما أن ينحدروا إلى مستوى الحضيض.
وتبقى العقوبات على إيران في مجلس الأمن تنطلق من خلال اتهامات باطلة بحجة أنها تخطط لصنع السلاح الذري في الوقت الذي تؤكد الجمهورية الإسلامية سياسيا وشرعيا أن مشروعها ينطلق من قاعدة سلمية، ولا ندري هل درس المجتمعون في الأمم المتحدة الأمور بعقلية متوازنة، أم أنهم يريدون منع أية دولة إسلامية من الحصول على الخبرة العلمية النووية من أجل تطوير اقتصادها على جميع المستويات انطلاقا من الحقد الاستكباري على الإسلام والمسلمين؟
أما لبنان، فلايزال موضع تجاذب دولي وإقليمي يفرض نفسه على الواقع المحلي الذي تتقاذفه الحزبيات والشخصانيات والطائفيات والمذهبيات لتحجب عن الشعب وضوح الرؤية للواقع السياسي والاقتصادي والأمني الذي يتخبط فيه الناس من خلال المتاهات التي يخطط لها أكثر من فريق ممن يعيشون الوصايات الجديدة التي تحقق لأكثر من صراع من صراعات المنطقة في مشروعات المحاور الدولية التي يستهدف بعضها تقوية نفوذه في لبنان امتدادا لتاريخ النفوذ في الماضي ويستهدف بعضها الآخر تحريك لبنان كساحة لأكثر من لعبة في مشاريعه لخدمة مصالحه، ولممارسة ضغوطه على أكثر من دولة في المنطقة، حتى الحوار الذي أراد له المخلصون من اللبنانيين النجاح ليخفف عنهم هول المأساة، فقد اندفع السائرون في خطة تعقيد الحلول وإضاعة معالم الطريق من أجل أن يعقّدوه من خلال تصريح هنا وحركة هناك وتحليل سياسي في موقع آخر...
إن مشكلة الفرقاء السياسيين الذين يبحثون عن طموحاتهم الشخصية وأطماعهم الفئوية أنهم يلعبون في ملاعب الكرة ليتقاذفوا كرة الوطن بأقدامهم ليسجل بعضهم على بعض هدفا لمصلحة الذات أو الحزب أو الطائفة لا لمصلحة الوطن الذي أصبح يعاني اليتم السياسي والاقتصادي والأمني عندما فقد الأب الروحي الإنساني الذي يرعى أبناءه وينقذهم من السقوط في متاهات الضياع.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1666 - الخميس 29 مارس 2007م الموافق 10 ربيع الاول 1428هـ